أم المؤمنين.. عائشة رضي الله عنها
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها هي زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم وأحب زوجاته إليه، تزوجها النبي وهي صغيرة السن،وتوفى النبي صلى الله عليه وسلم وهي في سن الثامن عشر سنة، كانت مرجع الفقهاء في زمنها ، وعرفت بالعلم والفقه عما دونها من النساء، فحفظت أحاديث النبي وروت عنه، ودفن في بيتها النبي، وهي المرأة التي نزلت فيها آيات من سورة النور مبرأة لها، فكانت فقيهة عالمة بالشرع والدين والشعر وبالأنساب، وعائشة رضي الله عنها خير قدوة لنساء المسلمين.
نسب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
هي عائشة بنت الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي، القرشية، التيمية، المكية، النبوية، أم المؤمنين وزوجة النبي صلى الله عليه وسلم.
مكانة عائشة العِلمية:
عائشة رضي الله عنها أفقه نساء هذه الأمة روت عن النبي صلى الله عليه وسلم علماً كثيراً من بعده، وحدث عنها الكثير فمسند عائشة يبلغ ألفين ومئتين وعشرة أحاديث، اتفق لها البخاري ومسلم على مئة وأربعة وسبعين حديثاً، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين وانفرد مسلم بسبعة وستين.
وقال الزهري فيها: لو جمع علم الناس كلهم، وأمهات المؤمنين، لكانت عائشة أوسعهم علماً.
زواج عائشة من النبي صلى الله عليه وسلم:
تزوجت عائشة رضي الله عنها النبي وهي ابنة الست سنوات، في شوال، وقد ولدت عائشة في الإسلام وكان أبو بكر يدين حينها بدين الإسلام وكان يقال لها “الحميراء”.
لم يتزوج النبي بكراً غير عائشة وقد جاء بها الملك في منام النبي ثلاث ليال لنبي صلى الله عليه وسلم، تزوجها بعد وفاة خديجة رضي الله عنها، وأحبها النبي حباً شديداً وقد كان النبي يقول أن أحب الناس إليه عائشة، وقد سأله عمرو بن العاص أي النساء أحب إليك يا رسول الله قال: (عائشة) قال: فمن الرجال؟ قال (أبوها). وبشرها النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة بقوله لها أنها من أزواجه في الجنة.
وعن علي بن زيد بن جدعان عن جدته عن عائشة أنها قالت: لقد أعطيت تسعاً ما أعطيتها امرأة بعد مريم بنت عمران: لقد نزل جبريل بصورتي في راحته حتى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني، ولقد تزوجني بكراً وما تزوج بكراً غيري، ولقد قبض ورأسه في حجري، ولقد قبرته في بيتي، ولقد حفت الملائكة بيتي، وإن كان الوحي لينزل عليه وإني لمعه في لحافه، وإني لابنة خليفته وصديقه، ولقد نزل عذري من السماء، ولقد خلقت طيبة عند طيب، ولقد وعدت مغفرة ورزقاً كريماً.(1)
عائشة رضي الله عنها وحادثة الإفك:
كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد السفر يقرع بين نسائه فمن يخرج سهمها تخرج معه للسفر فكانت إحدى الغزوات وهي غزوة المريسيع فخرج سهم عائشة رضي الله عنها وكان قد كتب الحجاب على النساء فخرجت في هودج، ولما غزا النبي غزوته وأمر بالرحيل، قامت عائشة حتى جاوزت الجيش فقضت حاجتها وهي تعود لرحلها انقطع عقدها فجلست تلتمسه، حتى وجدت الرحال التي تمضي فيها قد رحلوا وحملوا الهودج وكانت خفيفة وصغيرة السن فظنوا أنها بها وحمل على بعيرها، فجاءت رضي الله عنها حيث كان الرحل وجلست تنتظر لعلهم يفقدونها فيعودون، فجلست تنتظر وغلبها النوم، وكان صفوان بن المعطل وراء الجيش فكانت مهمته أن يلتقط ما سقط من الجيش، فاقترب فعرف أنها عائشة وكان رضي الله عنها يراها قبل الحجاب فعرفها فأناخ راحلته فركبتها دون أن يكلمها وعاد بها حتى أتوا الجيش نحو الظهيرة، فكان من تولى كبر الإفك هو عبد الله بن أبي بن سلول، وبعدها اشتكت عائشة من المرض شهراً فما كانت ترى لطفاً من النبي كما اعتادت، حتى أخبرتها أم مسطح بما يتناقل عن عائشة فزاد مرضها، فاستأذنت النبي بالذهاب لبيت أهلها فأذن لها، فاستيقنت الخبر من عندهم، فبكيت عائشة ليلة لم تكتحل عينها بالنوم.
براءة الله لعائشة رضي الله عنها:
استلبث الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقام النبي إلى المنبر واستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول فقال وهو على المنبر “يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه أهل بيتي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً، وقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً وما كان يدخل على أهلي إلا معي”.
فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا، فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً، ولكن احتملته الحمية فقال لسعد: كذبت لعمر الله! لا تقتله ولا تقدر على قتله.
فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ وقد أخذته الحمية فقال: كذبت! لعمر الله لنقتله فإنك منافق تجادل المنافقين، فقامت الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا فقام النبي على المنبر فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا، فبكت عائشة ليلتين ولم تكتحل عيناها بالنوم، ودخلت عليها امرأة من الأنصار فجلست تبكي معها، فدخل بعدها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها:” يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بشيء فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه.”
وكان أهل عائشة حاضرون فقالت لهم: فلئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقون، وإن اعترفت لكم بالأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقوني، والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا قول أبي يوسف: {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون}.
فاضطجعت عائشة على فراشها وكانت تعلم أن الله يبرئها فما خرج النبي ولا أحد من أهل البيت حتى أوحي إلى النبي، ولم يوحى إلى النبي شهراً بعد ما حدث، فانزل الله براءة عائشة بعد ذلك قال تعالى: {إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم تَحسبوهُ شَرا لَّكُم بل هو خير لكم لكل امْرئ منْهم ما اكتسب من الْإِثْم والذي تَوَلى كبْره منْهم له عذاب عظِيم} سورة النور الآية 11.
فلما نزل بالنبي الوحي كان ينحدر منه من الجمان من العرق وهو في يوم شات، من ثقل القول الذي نزل به، فأسري ضحك النبي وهو يقول “يا عائشة أما والله لقد برأك الله”، وكانت تلك الآيات من سورة النور براءة لعائشة رضي الله عنها نزلت من فوق سبع سموات تتلى حتى يوم القيامة.
فقال فيها حسان بن ثابت ينشدها أبيات:
حصان رزان ما تزن بريبة
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
وفاة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
توفيت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- إثر مرض ألمّ بها في شهر رمضان المبارك. وفي احتضارها دخل عليها ابن عباس رضي الله عنه ليخفف عنها ويصبّرها، مذكراً إياها بمكانتها العالية، وأنها كانت من أحب الزوجات إلى النبي صلى الله عليه وسلم. كما ذكّرها بالآيات التي نزلت بحقها، فقالت له: “دعني من تزكيتك لي يا ابن عباس، فوددت أني كنت نسياً منسياً”، وتوفيت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها سنة 58 هـ وقيل سنة 57 هـ، ودفنت بالبقيع.
الكتبة:مارية الزروالي
المصادر
ـــــــــــــــــــ
1ـ سير أعلام النبلاء الإمام الذهبي ص145 الجزء الثاني.
