أبو عبيدة بن الجراح .. أمير الأمراء في الشام
أبو عبيدة بن الجراح، هو الصحابي الذي بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وسماه “أميين الأمة”، وأمره عمر رضي الله عنه على الشام كلها، فكانت الأمانة والزهد والحلم من صفاته، وكان يوالي النبي ويطيعه، وصبر على الأذى عند إسلامه، وفتح الشام وسمي “بفاتح الشام” وكان داهية في الذكاء ومواجهة العدو، وفيه نزلت آية من سورة المجادلة، وكان حكيماً في الخلافات، فأحبه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
نسب أبو عبيدة بن الجراح:
هو أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، القرشي الفهري المكي.
يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في نسب فهر، أمه أميمة بنت غنم، وُلِدَ عام 485م، ودخل الإسلام مبكرًا وكان من الذين دخلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم.
دخول أبو عبيدة بن الجراح الإسلام:
بلغت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبو عبيدة بن الجراح وهو في الخامسة والعشرين من عمره، التقى بأبي بكر رضي الله عنه وأخبره عن الإسلام، فزرع الله في قلبه الإيمان،و كان من أوائل الذين أسلموا في بداية الدعوة السرية ،ودخل أبو عبيدة الإسلام وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وتبرأ من والده الذي توفي في معركة بدر وهو يقاتل في صفوف الكفار.
رغم ذلك، أبلى بلاءً حسنًا في معركة بدر ووالى النبي صلى الله عليه وسلم بقلب مخلص مؤمن. وقد بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ،وفي يوم السقيفة، عزم أبو بكر أن يوليه الخلافة لمكانته عنده وعند النبي، لأن أبو عبيدة يجتمع مع النبي في النسب في فهر.
روى أبو عبيدة العديد من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وشارك في غزواته وكان محبوبًا لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم. عن عبد الله قال: “سألت عائشة: أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه؟ قالت: أبو بكر ثم عمر ثم أبو عبيدة بن الجراح.” (1)
هاجر أبو عبيدة بن الجراح مرتين: الأولى إلى الحبشة في الهجرة الثانية، لكن لم يُطل مقامه هناك، والثانية إلى المدينة المنورة، حيث نزل على كلثوم بن الهدم الأوسي، وبعد وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، آخى بين المهاجرين والأنصار، فجعل بين أبو عبيدة وأبي طلحة الأنصاري أخوة.
قصته في معركة بدر مع والده:
في معركة بدر الكبرى، كان والد أبو عبيدة من المشركين وكان يتصدى لابنه يوم بدر. جعل أبو عبيدة بن الجراح يحيد عنه، فلما زاد في تصديه قصده أبو عبيدة فقتله، وذلك من الولاء والبراء في الدين حتى في الأهل، فنزل قول الله تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون}
[المجادلة: 22].
مواقف أبو عبيدة بن الجراح مع النبي صلى الله عليه وسلم:
أثناء معركة بدر، أصيب النبي صلى الله عليه وسلم بحلقات من درعه دخلت في وجهه الشريف، فتقدم أبو عبيدة بن الجراح، الذي كان معروفًا بشجاعته وإخلاصه للنبي، فنزع الحلقات بأسنانه من وجنة النبي صلى الله عليه وسلم، ففقد بعض أسنانه الأمامية أثناء عملية النزع، فحسن ثغره بذهابهما حتى قيل: “ما رؤي هتم قط أحسن من هتم أبو عبيدة”.
وهذا الموقف يعبر عن حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وولاءه له وحرصه عليه من الأذى.
صفات أبو عبيدة بن الجراح:
كان أبو عبيدة موصوفًا بحسن الخلق، والحلم الزائد، والتواضع. وكان رجلاً نحيفًا معروق الوجه خفيف اللحية، معروفًا بالدهاء في قريش دون مكر. وعرف بالأمانة والعدل، وبالذكاء في الحرب. عن أنس رضي الله عنه قال: “أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: ابعث معنا رجلاً يعلمنا.” فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد أبي عبيدة بن الجراح وقال: “هذا أمين هذه الأمة”. فكانت بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم الأمانة. عن أنس رضي الله عنه أيضًا قال: “قال النبي صلى الله عليه وسلم: لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح.”
معارك خاضها أبو عبيدة بن الجراح:
كان أبو عبيدة بن الجراح من الذين فتحوا الشام في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثم أكملوا في عهد عمر بن الخطاب، وكان أبو عبيدة ممن أمره عمر على الأمراء جميعهم حين تولى الخلافة، فعزل عمر خالد بن الوليد وولى أبا عبيدة، فكتم أبو عبيدة أمره لينا منه وحلمًا، ولم يفصح حتى حدث عقد الصلح مع الروم ففتحت له الجابية صلحًا، رغم أن خالد بن الوليد كان قد افتتح البلد عنوة من بابها الشرقي ،فأمضى أبو عبيدة بن الجراح الصلح، وصالحهم على أنصاف كنائسهم ومنازلهم. وكان أبو عبيدة على رأس الجيش الإسلامي في وقعة اليرموك.
معركة الساحل وحوت العنبر:
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكلف أبا عبيدة بن الجراح أميرًا على سرايا الجيش. في معركة الساحل، كلفه النبي صلى الله عليه وسلم قائدًا على سرية بعثها على الساحل. كان زاد الجيش قليلًا جدًا، حتى كان نصيب كل شخص منهم تمرة واحدة،وصلوا إلى البحر فوجدوا حوتًا ضخمًا ملقى على الشاطئ،قال أبو عبيدة: “ميتة”. ثم قال: “لا، نحن رسل رسول الله وفي سبيل الله فكلوا”. وأكل الجيش من الحوت لمدة ثماني عشرة ليلة. ثم أمر أبو عبيدة بنصب ضلعين من أضلاعه فمرت راحلة تحتهم ولم تصبهم، لكبر حجم الحوت، وكان ذلك من رزق الله لجيش نبيه بإمارة أبي عبيدة بن الجراح. وكان ذلك الحوت هو حوت العنبر.
مواقف أبو عبيدة بن الجراح مع عمر رضي الله عنه:
عندما قدم عمر رضي الله عنه إلى الشام، فتلقاه الأمراء وسألوا عن أبو عبيدة، فقالوا: “يأتيك الآن”. فلما جاء، جاء بناقة مخطومة بحبل، فسلم عليه عمر وقال للناس: “انصرفوا” ،كان عمر يحب أبو عبيدة، فسار معه حتى وصل منزله ،فلم ير في منزله إلا سيفًا وترسًا، فقال له عمر: “لو اتخذت متاعًا” فقال أبو عبيدة: “يا أمير المؤمنين! إن هذا سيبلغنا المقيل.”
فقد كان أبو عبيدة يشبه عمر رضي الله عنه في زهده وإخلاصه في دينه، وبقي كما عهده النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعش الترف بعد انفتاح حياة المسلمين ودخول الشام.
وفاة أبو عبيدة بن الجراح:
انطلق أبو عبيدة بن الجراح للصلاة في بيت المقدس، فأدركه أجله وتوفي قرب بيسان بسبب طاعون عمواس، سنة 18 هـ، وله ثمان وخمسون سنة. توفي سنة 17 هـ ودفن فيها.
الكاتبة: مارية الزروالي
المصادر:
ـــــــــــــــــــ
1. ابن ماجه في المقدمة 102، باب فضل عمر ورجاله ثقات.
2. سير أعلام النبلاء، الطبقة 1، ص 18، دار الرسالة.