امرؤ القيس… الملك الضليل
هو امرؤ القيس ،الملك الضليل، من رجال الطبقة الأولى في الشعر العربي،وأول من فتح باب الشعر الجاهلي، ولد وشب في النعيم، فابوه سليل الملوك من كندة ، ثم اطلق لنفسه العنان في المجون، وقعد عما تسمو عليه النفوس الكبيرة عند العرب،حتى فقد أبوه فأخذ بثأره وقال في ذالك شعرا كثيرا، ففيه عزة الملوك، حمية الثائر ،وفيه تبذل الصعلوك، وقيل أنه أول من وقف على الأطلال وبكى على الديار قائلا مطلع معلقته المشهورة:
من معلقات امرؤ القيس… الملك الضليل
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
نسب امرؤ القيس… الملك الضليل
إمْرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، من بني آكل المرار: أشهر شعراء العرب على الإطلاق، أصله يماني مولده بنجد، أو بمخلاف السكاسك باليمن.
إشتهر بلقبه، واختلف المؤرخون في اسمه، فقيل حندج وقيل مليكة وقيل عديّ، نشأ مترفاً ميالاً للترف؛ كان أبوه حجر ملكاً على بني أسد وغطفان، وأمه هي فاطمة بنت ربيعة أخت كليب والشاعر المهلهل التّغلِبِيَّيْن. تعلم الشعر منذ صغره من خاله المهلهل، ولم يكف عن تنظيم الشعر ومخالطة الصعاليك بالرغم من نهي والده له بذلك، فطرده إلى موطن قبيلته دمون بحضرموت.
نشأة امرؤ القيس… الملك الضليل
لقنه المهلهل الشعر، فقاله وهو غلام، وجعل يشبب ويلهو ويعاشر صعاليك العرب، فبلغ ذلك أباه، فنهاه عن سيرته فلم ينته، فأبعده إلى دمون بحضرموت، موطن آبائه وعشيرته، وهو في نحو العشرين من عمره. فأقام زهاء خمس سنين، ثم جعل يتنقل مع أصحابه في أحياء العرب، يشرب ويطرب ويغزو ويلهو، إلى أن ثار بنو أسد على أبيه ففعلو به ما فعلو.
وفي تاريخ ابن عساكر أن امرأ القيس كان في أعمال دمشق، وأن “سقط اللوى” و”الدخول” و”حومل” و”توضيح” و”المقراة” الواردة في مطلع معلقته، أماكن معروفة بحوران ونواحيها. وقال ابن قتيبة: “هو من أهل نجد. والديار التي يصفها في شعره كلها ديار بني أسد”.
دين امرؤ القيس… الملك الضليل
كان دين امرئ القيس الوثنية وكان غير مخلص لها، فقد روي أنه لما خرج للأخذ بثأر أبيه مر بصنم للعرب تعظمه، يقال له ذو خلصة. فاستقسم بقداحه وهي ثلاثة: الآمر والناهي والمتربص. فأجالها فخرج الناهي، فعل ذلك ثلاثاً، فجمعها وكسرها. وضرب بها وجه الصنم، وقال: “لو كان أبوك كُتل ما عقتني”.
حياة امرؤ القيس وطلبه لثأر والده:
ثار بنو أسد على أبيه وكَتلوه، فبلغ ذلك امرأ القيس وهو جالس للشراب، فقال: “رحم الله أبي! ضيعني صغيرا وحملني دم،،ه كبيرا، لا صحو اليوم، ولا سكر غدا! اليوم خ/مر، وغدا أمر”.
ونهض من غده فلم يزل حتى ثأر لأبيه من بني أسد، وقال في ذلك شعراً كثيراً. وكان قد اتجه امرؤ القيس إلى اليمن، وأقام بها زماناً يطلب مدداً من قومه. فجمع جمعاً من حمير ومذحج أمده بهم الملك ذو جذن الحميري. فاتجه صوب بني أسد بذلك الجمع وانتقم من قا،.تل أبيه وذ،.بح عمرو بن الأشقر سيد بني أسد. حينها أنشد الشاعر قائلاً مزهواً بنصره:
قولا لدودان نجد عبيد العصا
ما غركم بالأسد الباسل
قد قرت العينان من مالك
ومن بني عمرو ومن كاهل
ومن بني غنم بن دودان إذ
نقذف أعلاهم على السافل
نط،عنهم سلكى ومخلوجة
لفتك لأمين على نابل
إذ هن أقساط كرجل الدبى
أو كقطا كاظمة الناهل
حتى تركناهم لدى معرك
أرجلهم كالخشب الشائل
حلت لي الخمر وكنت أمرا
عن شربها في شغل شاغل
فاليوم أسقى غير مستحقب
إثما من الله ولا واغل
وشاية بني أسد بامرؤ القيس:
كانت حكومة فارس ساخطة على بني آكل المرار، أوعزت إلى المنذر (ملك العراق) بطلب امرئ القيس، فطلبه، فابتعد، وتفرق عنه أنصاره، فطاف قبائل العرب حتى انتهى إلى السموأل، فأجاره. فمكث عنده مدة، ثم رأى أن يستعين بالروم على الفرس. فقصد الحارث ابن أبي شمر الغساني (والي بادية الشام)، فسيره هذا إلى قيصر الروم يوستينيانس، فوعده ومطله، ثم ولاه إمرة فلسطين “البادية”، ولقّبه “فيلارق” أي الوالي، فرحل يريدها.
سيّر قيصر مع امرئ القيس جيشاً كثيفاً، فيهم جماعة من أبناء الملوك. فلما سار امرؤ القيس، قال الطماح الأسدي (رجل أرسله بنو أسد للوشاية بامرئ القيس) لقيصر:
إن امرؤ القيس غوي عاهر، وقد ذكر أنه كان يراسل ابنتك ويواصلها، وقال فيها أشعاراً أشهرها في العرب. فبعث إليه قيصر بحلة وشي منسوجة بالذهب، مسمومة، وكتب إليه: “إني أرسلت إليك بحلتي التي كنت ألبسها تكرمة لك، فالبسها واكتب إلي بخبرك من منزل منزل”. فلبسها امرؤ القيس وسرّ بذلك، فأسرع فيه السم وسقط جلده، فلذلك سمي “ذو القروح”، فقال امرؤ القيس في ذلك:
لقد طمح الطماح من نحو أرضه
ليلبسني مما يلبس أبؤسا
فلو أنها نفس تموت سوية
ولكنها نفس تساقط أنفسا
معلقة امرؤ القيس في فاطمة بنت العبيد:
قال ابن قتيبة: هو من أهل كندة من الطبقة الأولى كان يعدّ من عشّاق العرب، ومن أشهر من أحب هي فاطمة بنت العبيد التي قال فيها في معلّقته الشهيرة:
أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل
وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
وإن تك قد ساءتك مني خليقة
فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
أغرك مني أن حبك قاتلي
وأنك مهما تأمري القلب يفعل
وأنك قسمت الفؤاد فنصفه
قتيلٌ ونصفٌ بالحديد مكبل
موت امرؤ القيس:
فلما وصل إلى موضع من بلاد الروم يقال له أنقرة (تركيا حاليا)، احتضر بها، وغشيته سكرة الم،وت قال: رب جفنة مثغنجرة،وطعنة مسحنفرة،وخطبة محبرة،تبقى غدا بأنقرة! ثم مات ودفن بجبل عسيب سنة 560 (2)
ورأى قبر امرأة من بنات ملوك الروم، وقد دفنت بجنب عسيب، وهو جبل، فقال:
أجارتنا إن الخطوب تنوب
وإني مقيم ما أقام عسيب
أجارتنا إنا غريبان هاهنا
وكل غريب للغريب نسيب
أين دُفن امرؤ القيس ؟
الأصح أنه توفي 545هــ.،وتقول مصادر تركية أن المكان الذي دفن فيه الشاعر الجاهلي يقع في تلة “هيديرليك” جنوب شرق العاصمة التركية.
ترك امرؤ القيس ديوان شعر ضم بين دفتيه عدداً من القصائد والمقطوعات التي جسدت تاريخ شبابه وانتصاره. وعلى الرغم من صغر ديوانه، الذي يضم الآن ما يقارب مئة قصيدة ومقطوعة، إلا أنه جاء شاعراً متميزاً، فتح أبواب الشعر، وجلا المعاني الجديدة، ونوّع الأغراض، واعتبره القدماء مثالاً يقاس عليه ويحتكم في التفوق أو التخلف إليه.
الكاتبة: مارية الزروالي
المصادر
1. الموجز في الشعر العربي – الجزء الأول صفحة 28 – فالح الحجية
2 “تاريخ الأدب العربي ” أحمد حسن الزيات ،دار المعرفة ،بيروت ص 83