فضائل ليلة القدر
الحمد لله الذي فضل الأمور وقدرها وفضل مواسم الطاعات على سائر الأوقات والخيرات والبركات ويسرها وشرف شهر رمضان على جميع الشهور وخص لياليه بالفضل وبتوفير الأجور وميزها بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وجعلها واسطة عقد الدهر فطوبى لمن عظمها ووقرها يا لها من ليلة ما أبركها وأنورها وما أكثر خيراتها وأغزرها، تفتح فيها أبواب السماء وتنزل الملائكة بالبشارات لمن أحياها من الأنام ومنع جفونه من المنام أسهم.
فيافوز من تلذذ فيها بالمناجاة وتملى وتنهى فيها بطاعات مولاه، وتحلى وشاهد أنواره لما تجلى وسجدت له جميع المخلوقات، وقد أذهلها في أنواره وحيرها فيا لها من ليلة ما رفعت إليه فيها دعوة محتاج إلا حققها ولا وصلت إليه
دعوة مظلوم إلا نصرها ولا صعدت إليه أنفاس كربة إلا أزال كربها وضرها ولا انتهت إليه شكاية ملهوف إلا أزال عنها الجرح وأتاهابالفرج، وبشرها ولا تضرعت بين يديه معتذرة إلا قبلها وعذرها ولا توجهت
من أجله قلوب منكسرة إلا أغاثها بلطفه وجبرها فسبحان من اطلع في هذه الليلة الشريفة على الذنوب فغفرها وعلى العيوب فسترها وعلى القلوب فسكنها وعمرها وعلى حوائج السائلين فقضاها بفضله ويسرها (۱).
شهدت بالقهر له الأفلاك مع الأملاك فسخرها، وأتت بالباب ذوى الحاجات تروم الفضل فيسرها.
كما قد رفعت قصصاً وشكت غصصاً للشوق فبشرها هامت في الليل به الأحباب فحط الحجب وسامرها، ولقد نظرت لما
حضرت في حضرته إذا أحضرها كاساً يعلى وسناً يجلى لقلوب القوم فأسكرها، تاهت و به باهت ولقد سهرت في الحب فساهرها، وجلا أقداح كؤوس الذكر لها فلهذا استأثرها ، فله نظرت لما اشتهرت بمحبته إذ أسهرها .
ما أسعدها ما أزهدها ما أرشدها ما أذكرها ما أجملها ما أكملها ما أحملها ما أصبرها، فليالي القدر لها كشفت ولها الباري قد أظهرها.
فتعالى رباً مقتدراً خلق الأشياء ودبرها، وقضى الأجال مع الأعمال لكل خلق وقدرها . أحمده على نعمه التي نشرها وأغزرها وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نافعة لمن عنده أدخرها وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أيد الله به الشريعة ونصرها وهدى الأمة إلى الصواب وبصرها وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته التي برأها الله تعالى من الرجس وطهرها .
قال تعالى: { إِنا أنزلتَه في ليلة القدر} (2).
قال ابن عباس رضي الله عنه أنزل الله تعالى القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في ليلة القدر من شهر رمضان. وفي تسميتها بليلة القدر خمس وجوه:
أحدها: إنَّ القدر هو العظمة وهي ليلة عظيمة.
الثاني: إنه الضيق فهي ليلة تضيق فيها الأرض عن الملائكة الذين ينزلون من السماء.
الثالث: إن القدر هو الحكم فإن الأشياء تقدر فيها.
الرابع: إن لم يكن قدر بصير بمراعاتها إذا قدر .
الخامس: إنه نزل فيها كتاب ذو قدر وملائكة ذو قدر.
واختلفوا هل ليلة القدر باقية إلى زماننا هذا أم كانت في زمن النبي خاصة على قولين أصحهما إنها باقية إلى زماننا هذا وإنها في شهر رمضان.
واختلفوا أي الليالي أخص بها على ستة أقوال:
أحدها: إن الأخص بها أول ليلة من شهر رمضان.
الثاني هي ليلة الحادي والعشرين.
الثالث: هي ليلة الثالث والعشرين .
الرابع: هي ليلة الخامس والعشرين.
الخامس هي ليلة السابع والعشرين.
السادس: هي ليلة تاسع والعشرين.
_____________________
المراجع:
كتاب ليلة القدر للدكتور عبد الباري محمد داود.
1 الحريفيش: الروض الفائق في المواعظ والرقائق ) القاهرة مكتبة الجمهورية العربية، ء ت )
ص: ٥٦ – ٥٧ .
2 سورة القدر الآية1.
