ما الفرق بين غار حراء وغار ثور ؟
يُعتبر غار حراء وغار ثور من أبرز المعالم التاريخية والدينية في مكة المكرمة، وقد ارتبطت كل منهما بحدث عظيم في تاريخ الإسلام.
غار حراء هو المكان الذي نزل فيه الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم لأول مرة، بينما غار ثور ارتبط بالهجرة النبوية حيث اختبأ فيه النبي وصاحبه أبو بكر الصديق عندما طلبت قريش القبض عليهما، وبين هذين الغارين علاقة خاصة، فكل منهما له تاريخ مميز يخلد ذكرى فترات مفصلية في تاريخ الدعوة الإسلامية.
اعتزال الرسول صلى الله عليه وسلم في غار حراء
اعتزل الرسول صلى الله عليه وسلم في غار حراء وكان ينفرد فيه ويختلي بنفسه شهورًا من السنة، يتزود له وينقطع إلى الاعتكاف به، وفيه نزل عليه الوحي، وفيه رأى جبريل لأول مرة، وفيه كانت أول بشرى بالنبوة للرسول صلى الله عليه وسلم.
وبعد نزول الرسالة لم يصدقه قريش، فأمره الله بالخروج والهجرة للمدينة، وبعد لحاقهم به اختبأ هو وصاحبه أبو بكر الصديق في غار ثور خوفًا من بطش كفار قريش بهم، وفيه نزل قول الله تعالى: “إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا.”سورة التوبة الآية 40
فكان الفرق بين الغار الأول والثاني، أن الغار الأول غار حراء فيه كان لنزول الوحي وانبثاق دين الإسلام، وأما الغار الثاني فكان سببًا لحفظ النبي الكريم، حيث انقطع أثره عن قريش، فهاجر منه النبي ليؤسس عاصمة المسلمين بالمدينة وينتشر الإسلام في كل بقاع الأرض.
غار حراء وارتباطه بنزول الوحي:
غار حراء هو الغار الذي نزل فيه الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيه اختلى النبي بنفسه منقطعًا عن قومه يلجأ إلى خالقه على دين سيدنا إبراهيم عليه السلام، بينما كانت تعبد قريش الأوثان من دون الله، وكان يخرج إليه مرة كل سنة، ويتزود لذلك، حتى نزل به الوحي ذات ليلة كما جاء في صحيح البخاري عن عائشة أم المؤمنين قالت: “أول ما بدىء به النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة ثم حبب إليه الخلاء، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه”، أي: يتعبد الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها، حتى فاجأه الحق وهو في غار حراء فقال له: اقرأ، قال: “ما أنا بقارئ”، فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني الثانية فغطّني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطّني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) حتى بلغ إلى قوله: (مَا لَمْ يَعْلَم) [سورة العلق](1)
فعاد النبي مسرعًا لبيته بعدها إلى خديجة، يقول زملوني زملوني، فلما ذهب عنه الخوف وهدأ النبي وذهب عنه الورع، أخذته خديجة لابن عمها ورقة بن نوفل وكان من أحبار النصارى فقال له: “هذا الناموس الذي نزل الله على موسى عليه السلام، يا ليتني فيها جذعًا، ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك”. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟”، قال: “نعم، لم يأتِ رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرْك نصرًا مؤزرًا”.
فكان بذلك غار حراء هو أول مكان لنزول الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام.
موقع غار حراء:
يقع غار حراء في أعلى قمة جبل حراء، وهو شمال شرق مكة المكرمة على يسار الذاهب إلى عرفات، ويبعد غار حراء عن مكة المكرمة حوالى أربعة كيلو مترات ويبلغ ارتفاع جبل حراء إلى 642 مترًا، والجبل يوجد به انحدارات شديدة جدًا، وتبلغ مساحة جبل حراء الذي يوجد به غار حراء إلى 5 كيلو متر مربع، فهو ضيق من الداخل يتسع لخمس أشخاص فقط، وتنفتح إطلالته على مكة بأكملها، وله العديد من الأسماء مثل جبل القرآن وجبل الإسلام، لكنه يُعرف حاليًا بجبل النور.
سُمّي هذا الجبل بهذا الاسم نظرًا لظهور أنوار النبوة فيه، حيث كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يتعبد في هذا الغار قبل أن يبدأ الوحي. يُقال أيضًا إن اسم “حراء” قد يشير إلى “الصلابة” أو “القوة”، في إشارة إلى الطبيعة الجغرافية الوعرة للجبل.
غار ثور وارتباطه بهجرة الرسول عليه السلام
غار ثور هو الغار الذي لجأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه وهما في طريقهما في بداية الهجرة النبوية قاصدين المدينة، وقد دخلا إليه وكانت قريش ورائهم، فوصلوا إليهم حتى وقفوا على فم الغار، إلا أن الله ردهم بقدرته دون أن يبصروا النبي وصاحبه وهما على أعتاب غار ثور.
وقال أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه”، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما” فنزل قول الله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [التوبة الآية 40].
أي أن لو رأى أحد من الكفار موقع قدمه لاكتشف مكانهم، ولكن النبي كان واثقًا ساكنًا مطمئنًا بربه، والله صرف عنهم قريش ونصر نبيه الكريم بعد أن قالت قريش إما بق/تله أو إخراجه، فكانت من معجزات الغار ويقال إن عنكبوتًا نسجت شباكها على الغار فاستبعدت قريش وجودها ودخولهما إليه، وبعضهم قال إن الله صرفهم عنه وأن ما ورد عن قصة العنكبوت إنما هو أحاديث ضعيفة ومنهم الألباني رحمه الله.
وبات النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه ثلاث ليال في الغار قبل خروجهما إلى المدينة.
موقع غار ثور:
يقع غار ثور جنوب مكة المكرمة على قمة جبل غار ثور، ويُعد من المواقع التاريخية البارزة في الإسلام.
سُمّي الغار نسبةً إلى الجبل الذي يقع فيه، وهو جبل ثور أكحل، وتعود أيضًا إن التسمية إلى رجل يُدعى ثور بن عبد مناة، يُقال إنه أقام في هذا المكان، ولكن هذه الرواية يقال إنها غير صحيحة وأن الجبل لا ينسب لثور بن عبد مناة.
يتكون الغار من تجويف طبيعي داخل صخرة وله فتحتان، واحدة في المقدمة وأخرى في المؤخرة، وهو الغار الذي دخله النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه أثناء الهجرة النبوية من مكة.
الفرق بين غار ثور وغار حراء:
غار ثور وغار حراء هما مكانان تاريخيان في مكة المكرمة لهما أهمية كبيرة في السيرة النبوية مختلفة، فالأول غار حراء في جبل حراء فيه نزل الوحي من السماء، وكان مكان اعتكاف الرسول صلى الله عليه وسلم، والثاني غار ثور إليه لجأ الرسول صلى الله عليه وسلم ومنه انطلقت الرسالة لتؤسس عاصمة المسلمين في المدينة ويعم الإسلام غربًا وشرقًا، لكنهما يختلفان في تاريخهما ودورهما، وفيه اختبأ لمدة ثلاثة أيام هربًا من قريش التي كانت تطارده هو وصاحبه، فبينما يمثل غار حراء بداية الوحي والرسالة، يعتبر غار ثور رمزًا للمحن وللصبر وأن الله ينصر المؤمنين. الكاتبة:مارية الزروالي
المصادر:
ـــــــــــــــــــ
1سير أعلام النبلاء الطبقة 1 السيرة النبوية ص95