الضروريات الخمس
من مقاصد الشريعة الإسلامية الضروريات الخمس، وقد شرعت لحفظ مصالح المسلمين في الدين والدنيا، ليعيش المجتمع المسلم مترابطا متماسكا، ولأجلها شرعت الشريعة، وهي بالترتيب حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال.
وهذه الضروريات هي قطعية بين العلماء لا خلاف فيها، فالشريعة الاسلامية جاءت لتحقق وتحفظ مصالح المسلمين، وقدم فيها الدين بمعنى حفظ العقيدة والعلاقة بالله عز وجل، وهو تقديم الضروريات على الحاجيات، وقد جمعت في الآية قال تعالى: {يا أيها النبي اذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا ياتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله ان الله غفور رحيم} [الممتحنة 12].
الضرويات الخمس:
1 حفظ الدين
حفظ الدين هو المقصد الأساسي الذي تفرعت منه كل الضروريات وهو أصلها، فالإنسان فطر على التدين، وإن كان على دين الحق أو دين الباطل، والأصل أن يكون التدين بدين الإسلام، قال تعالى: {ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}
[آل عمران 85].
فالدين هو الذي يخرج الإنسان من ظلام الجهل إلى نور المعرفة، وهو حياة لقلب العبد المؤمن بالله، ولحفظ هذا الدين من التحريف والتبديل، وقد أجمع العلماء على الوسائل التي يحفظ بها هذا الدين فقالوا: العمل به، والدعوة إليه، والجهاد لأجله، ورد كل ما يخالفه، والحفاظ عليه دون تحريف ومنها تحريفه بالبدع المستحدثة فيه.
وقد ذكر الشاطبي رحمه الله في وسائل حفظ الدين على الإجمال فقال: ” حفظ الدين حاصله في ثلاثة معان وهي: الإسلام، والإيمان والإحسان فأصلها في الكتاب وبيانها في السنة.
ومكملة ثلاثة أشياء وهي : الدعاء إليه بالترغيب والترهيب وجهاد من عانده أورام إفساده، وتلافي النقصان الطارىء في أصله …”(1)
وسائل حفظ الدين:
وإن من وسائل حفظه العمل به، والأخذ بنصوصه وتطبيقه في الحياة والواقع، والقيام بواجباته وفروضه.
وأيضا الدعوة إليه، قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}، وقال تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}.
فالأصل في الدين نشر دعوة الإسلام لانتشارها وتبليغها شرقا وغربا، فقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام داعيا إلى الله ومبشرا ونذيرا، فعلى المسلم أن يسلك طريق الدعوة إلى الحق، بالتعليم ونشر القيم الإسلامية النبيلة، ونشر سنة النبي صلى الله عليه وسلم وعدم مخالفتها.
ومن وسائل الحفاظ عليه أيضا الحكم بما جاء به الدين، وبما أنزل الله في كتابه، وفي ذالك جزر لأهل الأهواء والانحراف.
الضروريات الخمس:
2 حفظ النفس:
يُعد حفظ النفس ثاني الضروريات في ترتيب الشريعة، فمن الضروري الحفاظ على النفس البشرية وعدم استحلالها، وتحريم الإعتداء عليها، وقد حُرِّم قتل النفس إلا بالحق وهو القصاص أو أحكام الردة، وذلك من أجل حفظ الدين، قال تعالى: {وَلَا تَقْ.تُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ }.
ففي القصاص حياة كما ذكر الله تعالى، وحفظ النفس هو شيء عظيم، قال الله تعالى: {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا}، يقول ابن عباس: من قتل نفسا واحدة حرمها الله فهو مثل من قتل الناس جميعا.
ويتحقق حفظ النفس بطرق متعددة، منها تجنيب النفس لأسباب الهلاك، ومنحها ما يساعدها على الاستمرار والبقاء في إطار الدين، وكذالك جاء تحريم الانتحار، وحرم قتل الأنفس خوفا من عدم الرزق والفقر، وفي ذالك قول الله عز وجل: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم خشية إِمْلَاقٍ}.
فالإسلام جعل للنفس حرمة عظيمة، وزجر المسلمين في ذالك بالوعيد الشديد، وحرم القتال بين المسلمين وسب المسلم للمسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أكبر الكبائر الإشراك بالله وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقول الزور).
الضروريات الخمس:
3 حفظ النسل:
وجاء حفظ النسل بعد النفس في المقاصد والضروريات، والمقصود عند الأصوليين واللغوين بالنسل هو الخلق والذرية والولد، ولذالك حرم الزنا لعدم اختلاط النسب والنسل، قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}، ففيها اختلاط الأنساب وعدم الحفاظ على النسل.
وشرعت الأحكام الإسلامية للحفاظ على تكوين الأسرة، والحث على النكاح و تكثير الذرية والأولاد والترغيب في الزواج، قال تعالى: { فانكحوا وما طاب لكم من النساء}، فالنكاح هو الطريقة الشرعية للحفاظ على النسل.
وهذا من جانب المحافظة عليه من باب الوجود، ودعم ما يحصل به استمراره، ومن جهة عدمه فيمنع ما يقطعه أو يقلله في الشرع كالإجهاض أو ما يمنع الحمل.
الضروريات الخمس:
4 حفظ العقل :
العقل هو ميزة ميز الله بها الإنسان، ونعمة خصه بها، فمن فقد عقله فقد سقطت عنه أمور دينه ورفع عنه القلم، ومن اوجه حفظ العقل في الشريعة أن يحافظ المسلم على سلامة عقله، ويترك كل ما يذهب العقل، ولذالك حرم الله تعالى الخمر، فهي من أشد ما يذهب بالعقل، قال تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} [المائدة 90]
فالخمر من مذهبات العقل وقد ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم لعن كل من شارك في الخمر وبيعها وحملها، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها وساقيها ومسقيها).
إذن حفظ العقل مطلوب لأن التكليف لا يكون إلا لمن سلم عقله، والخمر من أكبر الكبائر، ولذالك شرع فيها الجزر، ويدخل في ذالك انواع المخدرات وكل مذهبات العقل، فمستعملها لا يدرك ولا يعقل.
الضروريات الخمس:
5 حفظ المال:
المال هو كل ما يملكه الإنسان من دراهم أو متاع، والذي يقضي به شؤونه الدنيوية والدينية، فالحياة من ضروراتها الأكل والشرب، والمال أساس ذالك وهو أيضا أساس الدول الإسلامية، وقيام شؤونها فالدول الفقيرة عرضة للاضطهاد والأعداء، والمال يسعى له وذالك بطلب الرزق، وقد حرم ضياع الأموال، والإسراف فيها، ومما جاء في ذالك في أكل مال اليتيم وتضييعه، قال تعالى {وَلا تقرَبوا مَالَ الْيتيمِ إِلَّا بالتي هِي أحسن}.
والمال ليس موضوعا لتباهي والتفاخر، إنما هو لتحقيق مصالح شرعية، فهو رزق يسأل عنه الإنسان يوم القيامة مما كسبه وفيما أنفقه، فالمال ينفق في الصدقات على المحتاجين وينفق على ذوي القربى، والمال ينفق في سبيل الله طلبا لما عند الله، ولا ينفق إسرافا وتبذيرا قال تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما}.
وقد شرع حد السرقة في الدين للحفاظ على المال،
وذالك ردعا للحفاظ على أموال المسلمين ، وشرع الإشهاد على الديون أيضا.
ختاما الضروريات الخمس هي أساس الشريعة وأصل بناء المجتمع الإسلامي، وبحفظ الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال، تتحقق مقاصد الشريعة وأهم مقاصدها هو الدين، فإذا استقام المسلم وحافظ على أمر دينه، واجتنب ما نهي عنه، حقق مقاصد الشرع، وقد قدم العلماء بعض هذه المقاصد على بعضها، وذالك حسب الضروريات والحاجيات، وكلها إنما لدفع الضرر والمفاسد وجلب المنافع.
المصادر:
ـــــــــــــــــ
1ـ مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة الشرعية، سعد بن أحمد بن مسعود اليوبي، ص195.
