الهدف من صيام شهر رمضان
الصيام من العبادات العظيمة التي يحققها المسلم ويتقرب بها إلى الله، ولشهر رمضان أهداف كثيرة لأجلها كتب صيام الشهر الكريم، ومنها تقوى النفس والسمو بالروح والترفع عن الشهوات، وترويض النفس على ترك المحرمات والإنابة إلى الله تعالى، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
فالهدف الأول من الصيام هو تقوى الله، ثم رحمة المسلمين وتطهيرهم. وفيه تتجدد التوبة والإخلاص في العبادة لله عز وجل، وفيه يستيقظ الغافل من غفلته ويتوب لله، ويغنم الصالحون أيامه ولياليه. كما نجد فيه جوانب وأهداف روحية ونفسية، بالإضافة إلى جوانب اجتماعية وصحية عديدة، وسنذكرها في هذا المقال.
الهدف الروحي من صيام رمضان:
من أول أهداف وجوب الصيام على الجانب النفسي والروحي هو التقرب إلى الله واستشعار تأدية العبادة والشعور باليقين، هذا اليقين الذي يسكن قلب المسلم فيبتهل لخالقه بالدعاء، والرحمات تتنزل من السماء على المؤمنين، وتصعد الدعوات موقنة بالإجابة من خالقها في أيام عظيمة، فيغير الله للمسلمين ما في نفوسهم إلى الخير، فرمضان هو جرعة إيمانية يستغلها المؤمن، فيزرع الله في نفسه شعور الطمأنينة والابتهاج في العبادة. وهو شهر مخصص لتجديد الروح التي ذبلت طوال السنة، قال صلى الله عليه وسلم: “من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه”.
فهو يبيض صحائف المؤمنين والمستغفرين، والصابر على مشقة الصيام له أجر كبير عند الله، ومن السنة استحباب قول المسلم عند الإفطار: “اللهم إني لك صمت، وبك آمنت، وعلى رزقك أفطرت، ذهب الظمأ وابتلت العروق وتبث الأجر بإذن الله”، وهذا عند نهاية الصيام كل يوم، والإفطار فيه تجديد لنية الصوم لوجه الله، وتجديد للإيمان بقول “بك آمنت”، وتأكيد على ثبوت الأجر من الله وحده لا من غيره.
الهدف النفسي من صيام رمضان:
الصوم ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب وشهوات النفس، بل هو تزكية لنفس المسلم، ودافع ليترفع بها عن السوء، يغض الطرف عن الذي أساء إليه في صيامه، ويوطن نفسه على الصبر على أذى الناس، وقد شرع في السنة أن يقول الإنسان لمن سابه أو خاصمه: “اللهم إني صائم”، وذلك مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين، حيث قال: “الصيام جنة، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين”.
وفي الصبر على أذى الناس قيمة عليا للنفس البشرية، ومعاني كثيرة يلتمسها المسلم حال صيامه، ومن حلاوة هذا الشعور الانقياد والطاعة لأمر الله تعالى، وترك ما نُهي عنه، والشعور بالعبادة ولذتها، لا الامتناع عن الأكل فقط لأجل الصيام، ولكن على المرء أن يشعر بالامتنان لله عز وجل فيشكر نعم الله ويتأملها ويتدبر في الكون، ويلازم مصحفه، فالقرآن يورث في الصدر الخشوع والزهد في الحياة والارتباط والتعلق بالآخرة، والإلحاح في الدعاء بالمغفرة، فمن غفر الله له، قضيت حوائجه دون مسألة.
الهدف التربوي من صيام رمضان:
من الأهداف التربوية لصيام رمضان ترويض النفس على التغيير، والارتباط بالله عز وجل والطاعة له والانقياد.
تعلم الصبر، فالمؤمن يواجه مشقة الصيام في الحر، ومشقة الصيام مع التعب، وهذه تعلم الصبر، كما يتعلم المسلم الصبر على أذى الآخرين، والأذى له أنواع متعددة من قول وفعل وسب وشتم، والصابر على أذى الناس في صيامه له أجر كبير.
ومن القيم التربوية هي قيمة التكافل والتضامن الاجتماعي، وهي مما يتعلمه المسلم من زكاة الفطر، سواء الغني أو الفقير الذي له مقدرة.
ومن القيم أيضا تربية جيل صالح، ينشأ على رؤية نموذج البيت الإسلامي الصحيح في رمضان، ويرى المساجد، ومن ذالك أخذ الأطفال للمساجد كنوع من التربية الدينية في رمضان.
البعد الاجتماعي من صيام رمضان:
من أبعاد المنهج الرمضاني البعد الاجتماعي، فالمسلم قوي بأخيه المسلم، ولذا فرضت شعيرة رمضان على سائر المسلمين في وقت واحد، وفيه رؤية واحدة للهلال، ولذلك يصوم المسلمون في بقاع الأرض.
وهو مدرسة تربوية يجدد فيها المرء من أخلاقه ويزيد تهذيبًا، ويرتبط بأهله وتترابط الأسرة أكثر من الأيام الروتينية العادية، فهو يعزز الجانب الأسري من حيث الاجتماع والتآلف والترابط وصلة الرحم بين الأسرة الواحدة.
على الجانب الآخر، نجد اجتماع المسلمين في المساجد، في صلاة التهجد، وصلاة التراويح، وصلاة الفجر، وتجد تارك المساجد قد جدد عزمه وأصبح يسلك طريق الخير مع رفاقه وصحبته. فالصيام هو نقطة التقاء واجتماع للمسلمين بكافة ثقافاتهم، والمساجد هي أول مكان يوحد الناس في رمضان، وفيه يفطر بعض من أراد الإفطار، وهو مكان للاعتكاف في بداية العشر الأواخر. وفيه تزيد نسبة التكافل الاجتماعي، ونسبة العطاء والبذل، وذلك اقتداء بنبينا الكريم الذي كان أجود ما يكون في رمضان، والصيام هو من أشكال المساواة بين الفقير والغني، فجوع الصيام يجعل المسلم كريمًا متصدقًا في سبيل الله، يشعر بمن هم دونه، ثم ينتهي رمضان بإخراج الزكاة المشروعة، وهي زكاة عيد الفطر، لتحقق لنا قيمة هذا التكافل في أجمل صوره.
الهدف الصحي من صيام رمضان:
من أهداف رمضان أسباب كثيرة تعود على البدن والصحة، ومنها تطهيره من السموم، فالصيام ينقي الجسم ويجدد الخلايا، ويعيد تنظيم الجسم بعد روتين سنة كاملة، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “لكل شيء زكاة، وزكاة الجسد الصوم”، فهو زكاة والزكاة منها التطهير، فرمضان يطهر الجسم، ويقلل مستوى التوتر في الجسم ارتباطًا بالهدوء بعد تأدية العبادات، ويخفض مستوى الكولسترول، ويقلل عوامل الإصابة بالسرطانات، ويزيد عدد الكريات الحمراء والبيضاء في الدم، وينقص الوزن، ويعزز من جهاز المناعة، شرط اتباع حمية صحية في الإفطار وفي السحور، وتضمين الأشياء المفيدة في الإفطار، وتغيير روتين الأكل السريع إلى أكل منزلي صحي.
والأساس من مائدة رمضان ليس بالإكثار من كمية الأكل والمباهات بالموائد والزينة الرمضانية، ولكن الأصل اتباع السنة بعد صوم يوم طويل، ومنه الاقتداء بالبيت النبوي، فالرسول صلى الله عليه وسلم في أيامه العادية كان يفطر تمرًا ولبنًا وخبز شعير، والتركيز على الإفطار بالتمر هو سنة في رمضان، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ إذا أفطر من صومه بالتمر”.
والتمر له فوائد عديدة، ورمضان لا يقصد به الإشباع بعد الإفطار ولا الزهد، ولكن الاعتدال والوسطية في الأمور كلها، والإفطار على قدر الحاجة للقيام بالعبادة ليلاً دون أن يستعجل المفطر.
ختاما رمضان هو فرصة يحقق فيها العبد الهدف الأسمى، وهو الرفعة عند الله بالتقرب بالطاعة، والفوز بالمغفرة والعتق من النار، واللحاق بركب الصالحين، وهو باب التغيير الذي يستغله المؤمن طوال الثلاثين يومًا، فلا يُغلق الباب إلا وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. ولا يخرج رمضان إلا وقد بيضت صحيفته، ويتزود بالأعمال الصالحة لباقي السنة، حتى يدرك رمضان الآخر مغفورًا له، والهدف من الصيام هو تجديد الصلة بالله، والعبادة، والزيادة في النوافل، فالفائز من فاز وخرج بغير القلب الذي دخل به رمضان.