تقي الدين الهلالي.. عالم من علماء سجلماسة
من هو تقي الدين الهلالي؟
هو الشيخ الجليل ابن سجلماسة الذي طلب العلم شرقا وغربا ، ولم يكتفي بالمشرق طريقا لبدايته كباقي العلماء ،بل درس في الغرب وحاضر عندهم وحصل على شهادات في ألمانيا.
تتلمذ تقي الدين الهلالي وحفظ القرآن وهو صغير واهتم بالنحو واللغة، فجعل له الله شأنا في زمنه واللغة العربية ترفع صاحبها على قدر عزمه وهمته ،أبدع في مصنفاته فجمع بين الأدب والشعر والحديث وباقي العلوم الأخرى، وتعلم اللغات فأجادها منها الفرنسية الألمانية والإنجليزية والعبرية، ووجه ذالك في خدمة هذا الدين وخدمة التوحيد في وطنه المغرب وصولا حتى الهند، فأكرمه الله بتواضعه وأثنى عليه كبار العلماء مثل الشيخ ابن باز رحمه الله،
نسب الشيخ تقي الدين الهلالي:
هو العلامة المحدث واللغوي الشهير والأديب البارع والرحالة المغربي الرائد الشيخ محمد النقي المعروف بـ محمد تقي الدين الهلالي، كنيته أبو شكيب المالك سمى أول ولد له على اسم صديقه الأمير شكيب أرسلان ،بن عبد القادر، ابن الطيب، بن أحمد، بن عبد القادر بن محمد، بن عبد النور، بن عبد القادر، بن هلال، ابن محمد، بن هلال، بن إدريس، بن غالب بن محمد المكي، بن إسماعيل، بن أحمد، بن محمد بن أبي القاسم بن علي بن عبد القوي، بن عبد الرحمن، بن إدريس، بن إسماعيل بن سليمان بن موسى الكاظم، بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، ابن علي زين العابدين بن الحسين بن علي وفاطمة بنت النبي محمد ﷺ وقد أقر هذا النسب السلطان الحسن الأول حين قدم سجلماسة سنة 1311 هـ .(1)
نشأة الشيخ تقي الدين الهلالي:
ولد الشيخ تقي الدين الهلالي سنة 1311 هـ بقرية الفرخ»، وتسمى أيضا بـ «الفيضة القديمة» على بضعة أميال من الريصاني، وهي من بوادي مدينة سجلماسة المعروفة اليوم بتافيلالت الواقعة جنوب المملكة المغربية. وقد نشأ في أسرة علم وفقه، فقد كان والده وجده من فقهاء سجلماسة،
قرأ القرآن على والده وحفظه وهو ابن اثنتي عشرة سنة ثم جوده على الشيخ المقرئ أحمد بن صالح
ثم لازم الشيخ محمد سيدي بن حبيب الله التندغي الشنقيطي فبدأ بحفظ مختصر خليل وقرأ عليه علوم اللغة العربية والنحو والفقه المالكي إلى أن أصبح الشيخ نائباً عنه في غيابه.
ما ذا قال الشيخ تقي الدين الهلالي عن فترة خفضه القرآن الكريم ؟
يقول الشيخ الهلالي عن تلك الفترة : ” قرأت القرآن على والدي وجدي فحفظته وأنا ابن اثنتي عشرة سنة، وكان والدي ينوي أن يبعثني إلى مجود الوقت الشيخ أحمد بن الصالح لأقرأ عليه ختمة بالتجويد ، فعاجلته المنية ، فقامت بذلك أمي ، فقرأت على الشيخ المذكور القرآن من أوله إلى آخره بالتجويد ، فكنت أكتب كل يوم ربع جزء في لوح من حفظي ، وأدفعه إليه يُصححه على حسب رسم المصحف العثماني ، ثم يقرؤه هو وأنا أسمع ، وبعد ذلك أقرؤه أنا وهو يسمع ، وإن أخطأت يُصحح لي خطأي ” (2)
ويذكر الشيخ ما يؤثره من علومه فيقول : ” أحبها إليّ علوم الحديث وعلوم القرآن لأني أحب اتباع الكتاب والسنة ، وأكره مخالفتهما ، ثم علم النحو وسائر علوم الأدب ، ثم علم اللغات ، ولا أعرف علة ذلك .
بعد وفاة شيخه توجه لطلب العلم على علماء وجدة وفاس آنذاك إلى أن حصل على شهادة من جامع القرويين.
رحلة تقي الدين الهلالي إلى مصر لطلب العلم:
سافر تقي الدين الهلالي إلى القاهرة ليبحث عن سنة المصطفى ، فالتقى بعض المشايخ أمثال الشيخ عبد الظاهر أبو السمح، والشيخ رشيد رضا، والشيخ محمد مالي وغيرهم، كما حضر دروس القسم العالي بالأزهر ومكث بمصر نحو سنة واحدة يقول الشيخ الهلالي : ” وحضرت دروس القسم العالي من الأزهر ، وقال لي أحد كبار أساتذة الأزهر ، وهو الشيخ الزنكلوني ، قال : لا تطلب علم الحديث في مصر ، فنحن معشر كبار علماء الأزهر لا أحد منا يحفظ عشرة أحاديث ، ولا نعرف صحيحاً من ضعيف ، وإنما نقرأ سواداً في بياض مقلدين للمؤلفين.
مكث في مصر يدعو إلى عقيدة السلف ويحارب الشرك والإلحاد.
رحلته في طلب العلم بين مكة والعراق والهند:
بعد أن حج الشيخ تقي الدين الهلالي توجه للهند لينال بغيته من علم الحديث، فالتقى العلماء هناك وأفاد واستفاد ،ومن أجل العلماء الذين التقى في الهند المحدث العلامة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري صاحب “تحفة الأحوذي بشرح جامع الترميذس” وأخذ عنه من علم الحديث ،كمل أقام عند الشيخ محمد بن حسين بن محسن الحديدي الأنصاري اليماني نزيل الهند آنذاك، وقرأ عليه أطرافا من الكتب الستتة وأجازه أيضا.
من الهند توجه إلى البصرة في العراق ،حيث التقى العالم الموريتاني السلفي المحقق الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، واستفاد من علمه ومكث بالعراق نحو ثلات سنين ثم سافر إلى السعودية، مرورا بمصر
حيث أعطاه السيد محمد رشيد رضا توصية للملك عبد العزيز آل سعود قال فيها: «إن محمد تقي الدين الهلالي أفضل من جاءكم من علماء الآفاق، فأرجو أن تستفيدوا من علمه، فبقي في ضيافة الملك عبد العزيز بضعة أشهر إلى أن عين مراقبا للتدريس في المسجد النبوي وبقي بالمدينة سنتين ثم نقل إلى المسجد الحرام والمعهد العلمي السعودي بمكة وأقام بها سنة واحدة.
رحلة تقي الدين الهلالي للدراسة بالهند:
دعاه الشيخ سليمان الندوي إلى الهند ، وصار رئيس أساتذة الأدب العربي في كلية ندوة العلماء في مدينة لكنهو بالهند حيث بقي ثلات سنوات تعلم فيها اللغة الإنجليزية ولم تتيسر له الدراسات الجامعية بها، وأصدر باقتراح من الشيخ سليمان الندوي وبمساعدة تلميذ الطالب مسعود عالم المدوي مجلة”ضياء” ثم عاد إلى البصرة وأقام فيها ثلات سنين معلما بمدرسة ” النجاة الأهلية” .
سافر بعد ذالك إلى جنيف بسويسرا وأقام عند صديقه شكيب أرسلان، وكان يريد الدراسة في أحد جامعات بريطانيا فلم تتيسر له، فكتب الأمير شكيب ارسلان إلى احد أصدقائه بوزارة الخارجية الألمانية يقول فيها :” عندي شاب مغربي أديب ما دخل المانيا مثله،وهو يريد أن يدرس في إحدى الجامعات،فعسى أن تجدوا له مكانا لتدريس الأدب العربي براتب يستعين به على الدراسة”
طلب تقي الدين الهلالي العلم في المانيا:
سافر الشيخ الهلالي إلى ألمانيا وعين محاضرا في جامعة بون وشرع يتعلم اللغة الألمانية ، حيث حصل على دبلومها بعد عام,ثم صار طالبا بالجامعة مع كونه محاضرا فيها، وفي تلك الفترة ترجم الكثير من الألمانيةوإليها، وبعد ثلات سنوات في بون انتقل إلى جامعة برلين طالبا ومحاضرا ومشرفا على الإذاعة العربية، وفي سنة 1940 م قدم رسالة الدكتوراه حيث فند فيها مزاعم المستشرقين وكان موضوع رسالة الدكتوراه (ترجمة مقدمة كتاب الجماهر من الجواهر مع تعليقات عليها) وكان مجلس الإمتحان والمناقشة من عشرة من العلماء وقد وافقوا بالاجماع على منحه درجة الدكتوراه في الأدب العربي.
خلال الح-رب العالمية الثانية، سافر إلى المغرب. وفي عام 1947، سافر إلى العراق ودرس في جامعة مكة في بغداد حتى وقوع الانق-لاب العس-كري في العراق. غادر إلى المغرب في عام 1959.
وأثناء إقامته في المغرب موطنه الأصلي ، بدأ بالدعوة إلى توحيد الله واتباع نهج القرآن الكريم في عام 1959، أصبح أستاذًا في جامعة محمد الخامس في الرباط، ثم بفرعها بفاس.
شعر تقي الدين الهلالي:
عرف الشيخ تقي الدين الهلالي بقصائده وأشعاره، وألف فيها كثيرا ومن بعض شعره في ابن باز رحمه الله:
خــليلي عوجــا بي لنغتنم الأجرا
عـلى آل باز إنهم بالعلى أحرى
فما منهموا إلا كــريم ومـــاجد
تراه إذا مـا زرته في الندى بحرا
فعالمهم جـلى بعـــلم وحـكمة
وفارسـهم أولى عداة الهدى قهرا
فسل عنهموا القاموس والكتب التي
بعلم حديث المصطفى قد سمت قدرا
عودة تقي الدين الهلالي إلى المغرب:
وفي سنة 1959 تلقى دعوة من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة آنذاك للعمل أستاذا بالجامعة منتدبا من المغرب فقبل الشيخ الهلالي وبقي يعمل بها سنة .
بعدها عاد إلى مدينة مكناس بالمغرب للدعوة إلى الله، فصار يلقي الدروس بالمساجد ويجول أنحاء المغرب ينشر دعوة السلف الصالح وكان ينشر في مجلة «الفتح» لمحب الدين الخطيب ومجلة النار لمحمد رشيد رضا رحم الله الجميع.
شيوخ تقي الدين الهلالي :
الشيخ محمد سيدي بن حبيب الشنقيطي
الشيخ عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري
الشيخ محمد العربي العلوي
الشيخ الفاطمي الشراوي
الشيخ أحمد سوكيرج
الشيخ محمد بن حسين الانصاري اليماني
الشيخ محمد الأمين الشنقيطي
الشيخ رشيد رضا
الشيخ محمد بن براهيم
بعض علماء القرويين
بعض علماء الأزهر .
مؤلفات الشيخ تقي الدين الهلالي:
• الصبح السافر في حكم صلاة المسافر
• آل البيت ما لهم وما عليهم
• الحسام الماحق لكل مشرك ومنافق
• دواء الشاكين وقامه المشككين في الرد على الملحدين
• فضل الكبير المتعالي” ديوان شعر”
• فكاك الأسير العاني المكبول بالكبل التيجاني
• الإلهام والإنعام في تفسير الأنعام
• الهدية الهادية للطائفة التجانية
• القاضي العدل في حكم البناء على القبور
• الحسام الماحق لكل مشرك منافق
• مختصر هدي الخليل في العقائد وعبادة الجليل
• من وحي الأندلس “قصيدة”
وفاة تقي الدين الهلالي رحمه الله:
” في يوم الاثنين 25شوال 1407هـ الموافق لـ 22يونيو 1987م غيب الموت هذا العالم الجليل الشيخ تقي الدين الهلالي رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته ، عن عمر يناهز 97 وذلك بمنزله في مدينة الدار البيضاء بالمغرب وقد شُيع جنازته جمع غفير من الناس يتقدمهم علماء المغرب ومثقفون وسياسيون ”
______ الكاتبة: مارية الزروالي ______
المصادر:
1″قصائد شعرية ” محمد تقي الدين الهلالي ص5، دار الكتاب والسنة ،القاهرة
2″علماء ومفكرون عرفتهم” محمد المجذوب ص194
3تحفة الإخوان بتراجم بعض الأعيان ، عبد العزيز بن عبدالله بن باز ، ص 70 .