فضل شهر رجب
شهر رجب هو أحد الأشهر الحرم الأربعة، التي ميزها الله عن باقي الشهور بقوله تعالى: {فلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}، وهو الشهر الذي يتبعه شعبان ثم شهر رمضان، و فيه يبدأ المسلمون بالتزود لرمضان بالأعمال الصالحة، وتجديد النية للعزم على الطاعة والاجتهاد، ليجني المسلم ثمرة أعماله في رمضان، ويبيض صحائفه عند خالقه، ويلزم نفسه بالنوافل، ويكثر من الطاعات والأعمال الصالحة التي تقربه زلفى من خالقة، فشهر رجب هو شهر تأهيل المسلم لإصلاح النفس وتجديد الهمم والتقرب إلى الله عز وجل.
الأشهر الحرم ومكانة رجب فيها:
الأشهر الحرم هي أربعة أشهر، ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، وسميت بالحرم لأن الله حرم فيها ظلم المسلم لنفسه ولغيره من الخلق، وفيها تضاعف الحسنات والسيئات.
ورجب هو أحد أشهرها، وقد سمي بمضر والأصم والأصب، وسمي بالأصم لأنه جاء منفصلا عن باقي الأشهر الحرم الأخرى التي جاءت متتابعة مع بعضها، وقيل أن العرب كانت تقول: رجبت فلاناً أرجبه رجباً ورجوباً ، إذا عظمته، أي من عظمته، واستحب فيه الصيام دون الوصل فيه، وإخراج الصدقات وكثرة تلاوة القرآن، والاعتمار فقد ورد ان عائشة رضي الله عنها كانت تعتمر في رجب، ولم يتبث ذالك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ورد في فضل صيام الأشهر الحرم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك)، فالطاعة واجبة في كل الأشهر الحرم، ويقال أن في رجب أسري بالنبي ليلة الإسراء والمعراج ولكن اختلف في وقتها فلم ينسب توقيتها إلى رجب عند العلماء.
حكم صيام رجب هل هو بدعة أم مستحب؟
لم يتبث صيام رجب كاملا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، بل نهى النبي عن صيامه تعمدا، ولكن تبث وجاز صيام ما ورد في الشهور الباقية، كصيام الأيام البيض، وصيام الاثنين والخميس، لما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم).
وذالك يكون على مدار السنة، ورجب من الأشهر الحرم التي يضاعف فيها الأجر للعمل الصالح، وذالك بقول أهل العلم، ولكن تخصيص الصيام لمن لم يصم طوال السنة ثم يخصص رجب بالصيام فذالك بدعة، وبدليل أن عمر رضي الله عنه كان يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام ويأكلوا، لأن صيام رجب وتخصيصه هو من أفعال الجاهلية، فهم من كانوا يعظمون رجبا دون الأشهر الحرم.
ولكن هناك بعض الأحاديث المضعفة في فضل صيامه فعن موسى بن عمران قال: (سمعت أنس بن مالك يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في الجنة نهراً يقال له رجب أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، من صام من رجب يوماً سقاه الله من ذلك النهر).
وقد اجتمع الائمة الأربعة على استحباب الصيام في رجب، ولكن يكون بصيام بعضه ثم الإفطار، ولا يكون تخصيصا له ولكن طلبا للأجر.
وأما في المذهب الحنبلي فقد كرهوا تخصيص رجب بالصيام وإفراده، ولكن استحب عندهم صيام الأشهر الحرم كاملة والصيام في رجب بشرط الإفطار فيها، أي أن لا يواصل الصائمون رجب، وإنما المواصلة تكون في رمضان فقط، وصيام الشهر كاملا لا يكون إلا في الشهر الذي شرع الله فيه الصيام، قال الله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه}.
وأما عند فقهاء المالكية فيفسر ذالك الفقيه أبو بكر صاحب كتاب الحوادث والبدع : “يكره صومه على أحد ثلاثة أوجه: أحدها: أنه إذا خصه المسلمون بالصوم في كل عام، حسب العوام ومن لا معرفة له بالشريعة مع ظهور صيامه أنه فرض كرمضان، أو أنه سنة ثابتة خصه الرسول بالصوم كالسنن الراتبة.”
“فإن أحب امرؤ أن يصومه علي وجه تؤمن فيه الذريعة وانتشار الأمر حتى لا يعد فرضا أو سنة؛ فلا بأس بذلك.”(1)
ومن هنا نرى أن إجماع العلماء بعدم الصيام تخصيصا لكامل الشهر، ولكن بصيام بعضه ثم ترك الصيام، كصيام الاثنين والخميس اقتداء بخير خلق الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
بدعة ليلة الإسراء والمعراج:
ومن بدع ما خصص في شهر رجب هو تخصيص ليلة السابع والعشرون منها بالقيام والزهد والعبادة، على أساس أنها ليلة المعراج، وهذه لم يحتفل بها الصحابة وهم أقرب أهل النبي والأحق به، وقد اجتمع العلماء على أن توقيتها غير معروف، ولم يرد في أي ليلة أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال فيها ابن تيمية أن صلاة ليلة المعراج غير مشروعة باتفاق أئمة الإسلام.
الأعمال المستحبة في رجب:
ومن الأعمال المستحبة في شهر رجب:
الاعتمار في رجب وفيه أجر، واقتداء بأمنا عائشة رضي الله عنها وبعض السلف الذين كانوا يعتمرون في رجب.
الإكثار من العمل الصالح، ومن الطاعات التي ترضي الله والبعد عن ما يغضب الله تعالى.
الصيام دون إيصال الشهر كله وذالك أن يصوم الإنسان ويترك ويصوم، طلبا للأجر لا تخصيصا حتى لا يبتدع في الدين ويحدث فيه ما لم يكن.
التوبة وكثرة الاستغفار وذالك لأن المرء ولا بد واقع في المعاصي والذنوب، والاستغفار مكفر لها، والبعد في هذا الشهر عن ظلم النفس بأي وجه كان.
الإكثار من تلاوة القرآن وصلاة قيام الليل.
العتيرة من السنن النبوية في رجب:
استحب أيضا في رجب أضحية تذبح فيه وهي العتيرة، وفيها اختلاف عند جمهور العلماء، قضى بقولهم على أنها سنة مستحبة وليست واجبة، عن محنف بن سليم قال: كنا وقوفا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فسمعته يقول: يا أيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة، هل تدرون ما العتيرة؟ هي التي تسمونها الرجبية.
وفي الصحيحن حديث آخر لأبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا فرع ولا عتيرة.
ومن هنا أخذ الخلاف عند أهل العلم، والراجح أن في فعلها سنة وذالك يكون بالصدقة منها كما في أضحية العيد والتقرب إلى الله بفعل ذالك، وتركها لا يؤثر فهي ليست بمحل وجوب.
خلاصة المقال شهر رجب له مكانة خاصة، وذالك يفسره كل ما ورد في السنة النبوية عنه، وعلى المسلم أن يكثر من الطاعات فيه ويتقرب من الله، ويستغل هذا الشهر المبارك بالاستعداد لرمضان وهو أعظم الشهور، وأن يتجنب المرء البدع حتى لا يحدث في الدين بغير قصد أو بقصد، فيقوم بالأشياء المستحبة، دون تخصيص يوم عن غيره، فأيام الشهر كلها لها حرمة عند الله، وأن يحفظ نفسه فلا يظلمها، ويكثر من مصاحبة القرآن وقيام الليل، حتى يخرج من هذا الشهر بأعمال صالحة ترفع قدره عند الله عز وجل.
الكاتبة: مارية الزروالي
المصادر:
ـــــــــــــــــــ
1ـ أبو بكر الطرطوشي، كتاب الحوادث والبدع، باب نقل غرائب البدع وإنكار العلماء لها، ص142.