أسرار قيام الليل في رمضان
من أسرار العبادة في رمضان صلاة الليل، وهي الصلاة المشهودة التي ترفع العباد وتقربهم من الله عز وجل، في رمضان وفي سائر الأيام، فالسجود يرفع صاحبه عند الله، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فالسجود والدعاء في ظلمة الليل له أسرار عجيبة، وهي دأب الصالحين. وقيام الليل بين يدي الله عز وجل والناس نيام هو توفيق من الله تعالى يختص به من يشاء، فكم من أماني تحققت في قيام الليل وكم من هموم وكربات فرجت بقيام الليل، وكم غفر الله للمذنبين والعاصين بصلاة الليل. قال تعالى: {وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما}، فقد خص الله الساجدين القانتين ليلا فأدخلهم تحت رحمته، وشملهم بعفوه، وهي صلاة تحتاج لجهاد النفس ومغالبة الهوى، وفيها سعادة الدنيا والآخرة.
قيام الليل في رمضان:
قيام الليل شرعه الله لرجال والنساء، وهو صلاة تقام جماعة تسمى عند العلماء على وجه التخصيص في رمضان بصلاة التراويح، وتقام بعد العشاء، وتكون مثنى مثنى ولا تكون بها الإطالة، وشرعت الجماعة في صلاة قيام الليل من السنة النبوية، فالنبي أقامها بنفسه.
وأفضل القيام قيام الليل في رمضان ففيه الفضل الكثير، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة).
وقد رغب فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام الليل من غير أن يأمرهم بعزيمة، ثم يقول: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).
كيفية صلاة القيام في رمضان:
عدد ركعاتها إحدى عشر ركعة، ولم يزد النبي عليها، وتلك هي الأصل في السنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم كانت هذه صلاته لقيام الليل في رمضان حتى توفي.
فقد سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاته صلى الله عليه وسلم في رمضان فقالت: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشر ركعة، يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا).
أما كيفيتها ثلاث عشرة ركعة ففصل فيها العلماء أن يفتتحها بركعتين خفيفتين، وهما على الأرجح سنة العشاء البعدية، أو ركعتان مخصوصتان يفتتح بهما صلاة الليل كما تقدم، ثم يصلي ركعتين طويلتين جدا، ثم يصلي ركعتين دونهما، ثم يصلي ركعتين دون دونهما ثم يوتر بركعة.
أو يصلي ثلاث عشرة ركعة، منها ثمانية يسلم بين كل ركعتين، ثم يوتر بخمس لا يجلس ولا يسلم إلا في الخامسة.
أو يصلي إحدى عشر ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة.
وقت قيام الليل في رمضان:
وقت صلاة الليل يمتد من بعد صلاة العشاء إلى الفجر، وصلاة آخر الليل أفضل ففيها ينزل الله لسماء الدنيا، ولكن من خاف أن لا يدرك آخر الليل فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل).
ولكن صلاة القيام مع ذلك هي خير مع الجماعة، وبذلك كان الصحابة يعملون، فيجتمعون لصلاة القيام باتباع النبي.
فضائل صلاة قيام الليل:
هي صلاة يصليها المتقين تورث الخشوع والخشية من الله والإخلاص له فلا يكون فيها رياء ولا سمعة، وهي صلاة مفضلة على صلاة النهار، ومن فضائلها أنها تقرب العبد من الله، فالمؤمن إذا قام الليل إخلاصا لوجه الله تعالى سواء مع الجماعة أو خفية مع نفسه فله أجر عظيم.
قال تعالى: (أَمْ مَّنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، والذي يحذر الآخرة فيبتعد عن مغريات الحياة، ويتقرب من خالقه بالقيام فالله رحيم بمن يرجو رحمته ويخشى عذابه، وقد وعد الله القائمين بالليل بالجنة والمغفرة، وهذا يغفل عنه الكثير، قال صلى الله عليه وسلم: “أطعموا الطعام، وصِلُّوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام”.
وهي صلاة تنير الوجه كما قال العلماء، ومن صلاها في الثلث الأخير من الليل فإنه يدرك وقتا من الأوقات الذي يستجاب الدعاء فيه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربُّنا إلى السماء الدنيا كلَّ ليلة في الثلث الأخير من الليل فيقول: هل من داعٍ فأستجيب له، هل من سائلٍ فأعطيه، هل من مستغفرٍ فأغفر له).
وصلاة قيام الليل يصليها المسلم خاشعًا بقلب يشعر بقرب الله، بل ويستشعر وجود الله تعالى، ويتدبر القرآن وهو يقرأه، ففيها يقرأ المصلي بالسور الطوال، فيشعر بلذة في قلبه من العبادة، وبروحانية عجيبة، وبراحة وسكينة تتنزل على روحه، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن).
وهذه من فضائل قيام الليل، فالصلاة والذكر والتلاوة تجتمع في قيام الليل فيشعر المسلم بالأنس بالله، وبلذة مناجاته، ويطيل في سجوده فيطلب خير الدنيا والآخرة من الله.
إقرأ أيضاً: أسئلة ثقافية دينية مع الأجوبة
الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة في صلاة قيام الليل:
ومما يجعل المسلم يجمع همته ويقوم ليله بين يدي خالقه، هو الاقتداء بالنبي وأصحابه وهم خير قدوة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم له فراش خشن ووسادة حشوها ليف، ليساعده ذلك على قيام الليل لأن الفراش الوثير قد يعيقه عن ذلك، فكان ينام على حصير، فيراه من يراه من الصحابة وقد أثر الحصير في جنبه فيتألمون مما يحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاقترح عليه بعض الصحابة أن يتخذ له فراشًا لينًا وقد كانوا يحبون الرسول أشد حب، فقال صلى الله عليه وسلم: (مالي وللدنيا؟ ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف؛ فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها).
وقد كان عمر بن الخطاب وهو أمير المؤمنين الصحابي الجليل رضي الله عنه ينام قاعدًا، لما يجد في يومه من تعب، ويقوم ليله كله ويوقظ أهله في آخر الليل. فقيل له: يا أمير المؤمنين ألا تنام؟ فقال: كيف أنام؟ إن نمت بالنهار ضيعت أمور المسلمين، وإن نمت بالليل ضيعت حظي.
وكان علي رضي الله عنه يقوم الليل، وكان الصحابة كلهم يتركون السمر ويقومون ليلهم، فقد وصف ضرار بن ضمرة علي رضي الله عنه بأنه كان يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، وكذا كان عثمان بن عفان رضي الله عنه يقرأ حتى ورد أنه قرأ في ركعة واحدة القرآن كله. وأما أنس بن مالك فقد كان يصلي فيطيل القيام، حتى تقطر قدماه دمًا.
ختاما قيام الليل في رمضان هو من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله، ويرفع درجاته في الجنة وينال مغفرة من الله ويكون من بين عتقائه من النار.
فالقرآن والقيام والإلحاح يقرب المؤمن من ربه، ويقوى بها إيمانه، وتتجدد طاقته للعبادة، وبالتدبر في آيات الله والخشوع يرق قلب المسلم ويتهذب، وهذه هي أسرار قيام الليل ونتائجه في قلب المؤمن، فيدرك معاني عميقة تسمو بالنفس عن سفاسف الأمور في الحياة، فترقى إلى درجات الصلاح والزهد والعبادة وتتعلق نفس المؤمن بالدار الآخرة وبالله عز وجل.