معاوية بن أبي سفيان.. مؤسس الدولة الأموية
معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية، هو أحد الشخصيات التاريخية التي تركت بصمة لا تمحى في تاريخ الإسلام، وكان له دور بارز في العديد من الأحداث الهامة التي شكلت مصير الأمة الإسلامية.
بفضل حكمته وشجاعته، استطاع معاوية بن أبي سفيان أن يؤسس واحدة من أقوى وأبرز الدول في التاريخ الإسلامي، وهي الدولة الأموية التي امتدت من المشرق إلى المغرب.
نسب معاوية بن أبي سفيان
هو سفيان بن معاوية بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، أمير المؤمنين، ملك الإسلام أبو عبد الرحمن القرشي الأموي المكي، أمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، بن قصي، هو الخليفة الثاني بعد الخلفاء الراشدين، قاد جيش المسلمين وولاه عمر على الشام وعثمان رضي الله عنهم.
مولد معاوية بن أبي سفيان:
ولد معاوية بن أبي سفيان قبل البعثة بخمسة سنين، وكان سفيان والد معاوية من زعماء قريش وكانت أمه هند بنت عتبة ممن عرف قبل الإسلام بين قريش، وهي من نكلت بحمزة رضي الله عنه بعد استشهاده، وكان ذلك قبل دخولها الإسلام ثأرا لوالدها وأخيها، أما معاوية فقد أسلم وكتم إسلامه في مكة ولم يهاجر خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بل بقي حتى عام الفتح.
نشأة معاوية بن أبي سفيان:
كانت هند ترى في ابنها وتتوسم فيه خيرًا وملكًا، عن أبان بن عثمان: كان معاوية وهو غلام يمشي مع أمه هند، فعثر فقالت: “قم لا رفعك الله”، وأعرابي ينظر فقال: “لم تقولين؟ فوالله إني لأظنه سيسود قومه”، قالت: “لا رفعه إن لم يسد إلا قومه”. (1)
فقد كان أحد الرهبان بشر هند أنها ستلد ملكًا قبل طلاقها من زوجها الأول وتتزوج سفيان وتنجب معاوية، فجاء معاوية وساد قومه، وكان له مكانة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم وفي قلوب الصحابة وخصوصًا عمر وعثمان، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “اللهم اجعله هاديًا مهديا، واهده به”.
صفات معاوية بن أبي سفيان:
كان معاوية حسن الخلق والخلقة، أبيض طويلًا، وكان يخضب لحيته، وكان كريمًا شجاعًا حليمًا، وكان مهتمًا بالفقه والعلم.
إقرأ أيضاً:
معارك معاوية بن أبي سفيان:
خاض معاوية عدة معارك ضد الروم أثناء توليه على الشام، منها غزو جزيرة قبرص التي كانت أولى غزواته في البحر، بعد أن أذن له عثمان رضي الله عنه وقاد جيشًا كبيرًا يضم صحابة كبار مثل أبو ذر الغفاري وأم حرام بنت ملحان. استسلم أهل قبرص بعد حصار الجيش لهم، وانتصر معاوية وفتح قبرص وأمن الحدود الشمالية وأضعف البيزنطيين، ولكن فتنة مقتل عثمان بعدها عطلت فتوحات المسلمين آنذاك.
دور معاوية بن أبي سفيان في التاريخ الإسلامي:
أسلم معاوية في عمرة القضاء ولكنه لم يخرج من مكة ولم يظهر إسلامه، وبقي إلى يوم الفتح فأعلن إسلامه، وكان هو كاتب الرسول صلى الله عليه وسلم، وورد عن ابن عباس: “قال لما نزلت آية الكرسي، دعا معاوية فلم يجد قلمًا، وذلك أن الله أمر جبريل أن يأخذ الأقلام من دواته، فقام ليجيء بقلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “خذ القلم من أذنك”، فإذا قلم ذهب مكتوب عليه “لا إله إلا الله”، هدية من الله إلى أمينه معاوية”. (2)
وكان معاوية بذلك كاتبًا للوحي وأمينًا له، وكان النبي يدعو له، وعن سعد مرفوعًا: “يحشر معاوية وعليه حلة من نور”. فكان أمينًا على الوحي وعلى الرسالة.
وولاه عمر على الشام كلها وأقره عثمان بعد ذلك، فخلف على الشام عشرين سنة، وأقام بخلافته عشرين سنة حكم فيها الحرمين ومصر والشام والعراق وخرسان والجزيرة واليمن والمغرب، فأحبه رعيته وكان أهل الشام يتغالون في حب معاوية.
وفي فترة ولاية معاوية بن أبي سفيان على الشام، خاض العديد من المعارك المهمة ضد الجيوش الرومانية في بلاد الشام، بعد أن حشدت الروم قوات ضخمة للغزو في أواخر عهد عمر بن الخطاب وبداية خلافة عثمان بن عفان.
موقف معاوية بن أبي سفيان مع علي رضي الله عنه:
حين ق/تل عثمان بن عفان سنة 18 من ذي الحجة 35هـ على يد الخوارج، بعثت زوجته نائلة بنت الفرافصة إلى معاوية كتابًا، وهو ابن عمه وعاماه على الشام، ومع الكتاب قميصه بالدم، ولما قرأ معاوية الكتاب طيف بالقميص بالشام وحرض الناس على طلب دم عثمان، فقام أهل الشام فقالوا: “هو ابن عمك وأنت وليه ونحن الطالبون معك عليه”. فطلب معاوية قت/لة عثمان فلم يسلمهم له علي، ولم يبايع معاوية بن أبي سفيان علي خليفة وأميرًا للمؤمنين وطلب دم عثمان، وبدأت فتنة مقتل عثمان بين الخليفة علي والصحابي معاوية، والأصل أن كلا منهم كان يرى الحق من رأيه وكان ابتلاء لا بد منه على أصحاب النبي.
في ظل فتنة مق/تل عثمان رضي الله عنه قامت معركة صفين قرب مدينة الرقة، قتل فيها خلق كثير، بين علي رضي الله عنه ومعاوية رضي الله عنه واستمرت لأيام، وكان علي منتصرًا غالبًا، لكن أهل الشام رفعوا مصاحفهم بأمر من عمرو بن العاص، وطلبوا الحكم والتحكيم لكتاب الله، فرضي علي ورجع إلى الكوفة، فخرج من الذين كانوا مع علي خوارج أنكروا التحكيم، فانشقوا عن علي وقتل عبد الرحمن بن ملجم الخليفة علي رضي الله عنه في رمضان سنة أربعين، فكان استشهاد علي على يد الخوارج، وفيهم ورد قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “الخوارج كلاب أهل النار”، وأخذ بعد ذلك بالقصاص فقتل قاتل علي.
تأسيس الدولة الأموية على يد معاوية بن أبي سفيان:
بعد استشهاد علي رضي الله عنه بويع الحسن بن علي بالخلافة، ولكن الفتن بقيت مستمرة وفرقت صفوف المسلمين، فصالح الحسن بن علي معاوية بن أبي سفيان وبايعه على أن تحقن دماء المسلمين وتخمد الفتن، فسمي ذلك العام عام الجماعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحسن: “إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين”. فتوحدت الأمة تحت حكم معاوية بن أبي سفيان، وأسست الدولة الأموية على يده، فكان عدلها يفوق ظلمها وكان أهل الشام يحبون معاوية.
وفاة معاوية بن أبي سفيان:
مات معاوية في رجب سنة ستين، وقد عاش سبعًا وسبعين سنة، وقد أحب لقاء الله ووصى ابنه يزيد أن يتق الله ويرفق بالناس في حكمه بعد أن ولاه الخلافة بعده، ودفن بحوارين عام 60هـ.
الكاتبة:مارية الزروالي
المصادر:
ـــــــــــــــ
1- سير أعلام النبلاء الطبقة الثالثة، ص 126، دار الرسالة بيروت.
2- سير أعلام النبلاء الطبقة الثالثة، ص 129، دار الرسالة بيروت.
3- أخرجه البخاري في الصحيح /225.

