الأزهر الشريف: منارة العلم عبر العصور
جامع الأزهر أو جامع القاهرة هو ثاني مسجد وجامعة في العالم ، بناه جوهر الصقلي بالقاهرة في العهد الفاطمي، ليصبح جامعة يتوافد عليها طلاب العلم والفقهاء والعلماء من كل مكان، ودار عبادة للتقرب فيها إلى الله ، وكانت للأزهر الشريف مكانة علمية بل أصبح حركة فكرية في العصر الحديث ، فظل محافظا على قيمته التاريخية طوال أحد عشر قرنا.
تأسيس جامع الأزهر:
بأمر من المعز لدين الله الفاطمي انشأ جوهر الصقلي جامع الأزهر في القاهرة، فأسسه في 24 من جمادى الأولى سنة 359 هـ 970م ،وأقيمت فيه صلاة أول جمعة في 7 من رمضان سنة 361 هـ ، وكان
الهدف من إنشاء جامع الأزهر
الهدف من بناء هذا المسجد أن يكون جامعا رسميا، يلتقي فيه الفاطميين لنشر دعوتهم ومذهبهم الشيعي في عاصمتهم القاهرة.
وجاء لفظ الأزهر عندهم نسبة لبنت رسول الله صلى الله عليه وسلم “فاطمة الزهراء” والزهراء مؤنثا التي تزهر جمالا وإشراقا ،وقد كان يطلق على القاهرة اسم الزهراء.
وجامع الأزهر أسس جامع للصلاة والدعوة ،فأصبح تاني أقدم جامعة في العالم بعد جامعة القرويين.
وصف معمار جامع الأزهر :
بني الجامع بمعمار هندسي يعود للجوامع القديمة ،يضم أروقة تفتح على صحن بأرصفة رخامية، يضم خمسة مآذن بنيت على طول امتداد الفترات المتعاقبة من الحكم الفاطمي إلى حكم المماليك ثم الحكم العثماني، وقبة بناها الصقلي وقبتين بنيت فيما بعد ،ومحراب على جدار القبلة مزخرف بنقوش فاطمية وآيات من القرآن الكريم ، وقاعة الصلاة والعديد من الأروقة يبلغ عددهم الثلاتين رواق من بينهم رواق المغاربة والرواق العباسي.
ويرتبط المسجد بمدارس بنيت بجوانبه تضم أضرحة للأمراء ،وهي المدرسة الجوهرية التي تضم قبر جوهر القنقبائي،والمدرسة الطيبرسية التي تضم ضريح الأمير علاء الدين طيبرس ،وكذالك المدرسة الأقبغاوية التي تضم ضريح الأمير أقبغا عبد الواحد وقد بنيت عليها قبة ومئذنة وضمت للأزهر الشريف.
مكتبات جامع الأزهر :
حرص الخلفاء الفاطميون على تزويد هذا الجامع بكثير من الكتب حتى يتيسر للوافدين عليه الاطلاع عليها.
وقد أمر الخليفة الحاكم بنقل نصف الكتب التي كانت بدار الحكمة الى الجامع الأزهر، واقتداء بالخلفاء الفاطميين ببغداد والأندلس وكانت هذه المكتبة القديمة مستقلة عن مكتبات الأزهر الحديثة.
وأما الحديثة فقد ضمتها أروقة جامع الأزهر التي كان يقيم بها الطلبة في العصر الحديث ، ويضم كل رواق مكتبة تشمل كتب التبرعات وغيرها، وكانت تلك المكتبات لا تخضع لأنظمة تضبطها ، وتحافظ عليها ، وكان الانتفاع بها متروكا لكل طلبة العلم من أهل الرواق أو غيرهم ، ولكن تمت سرقة بعضها وبيع بعضها لعلماء الغرب وكانت خزانات كبيرة فتم تشتيتها بجهل ممن باع منها وسرق ، دون أن يدرك قيمتها ونفعها ،فتم جمعها بعد ذالك وإنشاء مكتبة خاصة لها دون أن تظل موزعة على كل اروقة الجامع تطالها كل الأيادي.
جامع الأزهر و فتوى منع الصلاة فيه:
في العصر الأيوبي منعت الصلاة في جامع الأزهر العصر بإجماع فقهاء الشافعية بعدم إقامة صلاة الجمعة في أكثر من مسجد، ولم تقم فيه الصلاة ومع ذالك بقيت مدارس الأزهر حاضرة من الناحية العلمية، وتم بناء عدد من المدارس في العهد الأيوبي مما جعل الناس تنصرف عن الدراسة بالأزهر وكان يريد صلاح الدين الأيوبي القضاء على المذهب الإسماعيلي الشيعي فأسس الكثير من المدارس التي تقوم على المذهب الشافعي والمذهب المالكي، ووما ذكر في ذالك :”كانت خطبة الجمعة تقام في الجامع الأزهر وجامع الحاكم قبل أن يولى قضاء مصر صدر الدين عبد الملك بن درباس في عهد السلطان صلاح الدين.
وكان تعيين ابن درباس في منصب قاضي القضاة ايذانا بانتشار المذهب الشافعى فى مصر.
وقد أفتى ابن درباس بمقتضى مذهب الامام الشافعي بأنه لا يجوز اقامة خطبتين للجمعة في بلد واحد ، فأبطل الخطبة في الجامع الأزهر وأقرها فى جامع الحاكم لا تساعه . وظلت صلاة الجمعة معطلة بالجامع الأزهر نحوا من قرن”.(1)
عودة جامع الأزهر في حكم المماليك:
في حكم الطاهر بيبرس أحد سلاطين المماليك، تمت إعادة صلاة الجمعة إلى الأزهر، بسعي من الأمير عز الدين الحلى نائب السلطنة،فعمل على هيكلته وإعادة إعماره بعد خراب دام طويلا، وتبرع بالكثير من ماله ، وأعاد هذه البناية التي تشهد على العصر الفاطمي وجددها لتكون على المذهب السني وليس الشيعي.
عين إماما وقراء للمسجد. رغم اعتراض بعض فقهاء الشافعية، ولكنه استعان بفتوى فقهاء الحنفية الذين اجازوا الصلاة فيه، لتعود الصلاة في المسجد وتقام فيه الجمعة ،ويتحول هذا المسجد مما بني عليه إلى جامعة تزخر بالعلم إلى عصرنا هذا .
علماء درسوا في جامع الأزهر:
علماء الازهر في العصر الأيوبي:
في العصر الأيوبي رغم فتوى إبطال الصلاة في جامع الأزهر إلا انه حافظ على هيئته العلمية واستمر بعد العهد الفاطمي التدريس فيه ،وهؤلاء من بعض
العلماء الذين القوا دروسهم فيه:
درس فيه عبد اللطيف البغدادي و الشاعر الصوفى الشيخ شرف الدين عمر بن الفارض والشيخ أبو القاسم المنفلوطي ، والشيخ شمس الدين أتابكي والشيخ جمال الدين الأسيوطي ، والشيخ شهاب الدين السهروردي ، والعلامة المؤرخ شمس الدين بن خلكان وغيرهم.
علماء الأزهر في عصر المماليك:
درس بجامع الأزهر الامام على بن يوسف بن جرير الشنطوفي من اكابر العلماء و قوام الدين الكرماني ، وشمس الدين الأصبهاني ، وشرف الدين الزواوي المالكي ، محمد بن يوسف بن حبان الغرناطي ،
قنبر بن عبد الله الشرواني العالم الفيلسوف الذي درس فيه المنطق ، والمؤرخ تقى الدين المقريزي .
وأيضا كان ممن وفدوا على الأزهر ودرسوا فيه الشيخ العلامة تقي الدين الفاسي ،والمؤرخ والفيلسوف ابن خلدون.
في العصر العثماني:
وفد على جامع الأزهر العديد من علماء العثمانيين لتدريس به منهم: نور الدين على البحيرى ، والعلامة شهاب الدين بن عبد الحق السنباطي ، وعبد الرحمن المناوى ، وشمس الدلين الشيشيني ، والامام شمس الدين أبو عبد الله العلقمي وامام شمس الدين الصفدي المقدسى وغيرهم ..
ومن الأزهريين في ذالك العصر : أحمد الشوبرى ، وشهاب الدين القليوبي ، وأبو الضياء الشبراملسي ،و العلامة شمس الدين العناني وعبد الباقي بن يوسف الزرقاني ، والعلامة شاهين بن منصور الأرمناوى والكثير.
أهم الادباء الذين تخرجوا من جامع الأزهر:
الأديب مصطفى لطفى المنفلوطي
الشيخ محمد شاكر
والشيخ عبد العزيز البشرى
والدكتور زكي مبارك
والاستاذ أحمد حسن الزيات .
الدكتور طه حسين عبقرى الأزهر.
ومن أشهر اللغويين ممن تخرجوا من جامع الأزهر :
الشيخ حسن قويدر الخليلي و الشيخ عبدالهادي نجا الابياري و الشيخ حسين المرصفي والشيخ حمزة فتح الله والشيخ سيد المرصفي .
جامع الأزهر في العصر الحديث:
حافظ الأزهر على مكانته التاريخية في مصر،كمعلمة خالدة دامت لقرون، وتمت إعادة ترميمه منذ خمس سنوات،ولكنه فقد دوره في التدريس الكلي في ظل وجود الجامعات والكليات الرسمية، واحتفظ بدوره الديني فقط في تدريس العلوم الشرعية، في ظل الانقسام بين المؤسسة التعليمية والدينية في مصر ، واصبح أيضا مزار سياحي ديني وشاهد على التاريخ الإسلامي والحضارة العربية التي مرت بمصر .
الكاتبة: مارية الزروالي
المصادر
ـــــــــــــ
1 كتاب الازهر وتاريخ تطوره الدكتور محمد البهي، ص42،وزارة الأوقاف وشؤون الأزهر