مرثيات الخنساء: في صخر ومعاوية
ولدت تماضر في بادية الحجاز في قبيلة عربية، ولقبت بالخنساء لقصر أنفها، رغم أنها من جميلات عصرها، وعرفت الخنساء بحياتها العامرة بالفقد، وذاع صيتها بمرثياتها في الجاهلية، بعد موت أخيها صخر ومعاوية وزوجها، ثم دخلت الإسلام وأسلمت مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي يعجبه شعر الخنساء ويسميها “خناس”، ثم توفي أربعة من ابنائها في معركة القادسية، وقد كانت تحرضهم على الق/تال وتقول”إذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، واضطرمت لظى على سياقها، وجللت نارا على أوراقها، فتيمموا وطيسها وجالدوا رئيسها، عند احتدام خميسها، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة”.(1)
نسب الخنساء :
هي أم عمرو ، تماضر بنت عمرو بن الحارث، بن الشريد وهو عمرو بن رياح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس، بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، من آل الشريد من سادات وأشراف العرب وملوك قبيلة بني سليم في الجاهلية.
نشأة الخنساء:
ولدت الخنساء في بادية في الحجاز فى الشمال الشرقى من مدينة يثرب، حيث تمتد مضارب بني سليم، وعاشت طفولتها وكانت جميلة الأوصاف، وقد عرفت بالكبرياء والاعتداد والأنفة، ككل من نشأ في قبائل العرب، وكانت عاقلة سليمة، عرفت من أشهر نساء العرب بحكمتها، وقد عرفت الخنساء حين تقدم لخطبتها دريد بن الصمة، بعد رؤيته لها ، وهو شيخ بني جشم وفارس هوزان ،وفيها قال قصيدة مطلعها :
حيوا تماضر واربعوا صحبي
وقفوا فإن وقوفكم حسبي
أخناس قد هام الفؤاد بكم
وأصابه تبل من الحب
لكن الخنساء رفضت بحجة أنها تريد الزواج من أبناء عمومتها، وقد رضخ ابوها لذالك رغم أن البنت في الجاهلية لم تكن مخيرة في أمر الزواج، وأما والدها فكان يرى فيها رجاحة العقل، وأما صخر أخاها فكان يشاركها الرأي وكان يبادل الخنساء عطفا خاصا، وأما معاوية فقد كان صديقا لدريد فحاول إقناعها ورفضت.
وذكر أنها تزوجت من رجل من قبيلتها اسمه عبد العزى السلمي فأنجبت منه، وكان سيء السمعة مقامرا، وأسرف في مالها وطال طلبه لمال اخوها صخر، فكانت الخنساء تأتي صخر فتطلبه، فكان صخر يقسم ماله قسمين ويعطيها خيره، ثم تطلقت منه وتركته، وكانت قد رفضت شيخا وسيدا من سادة العرب، والتاريخ يجهل لما فعلت الخنساء ذالك فلم يأتي على ذكره أحد، حتى أنها لم تنظم شعرا في زوجها الأول، لا بمدحه ولا بذمه، ثم تزوجت مرداس بن ابي عامر السلمي الملقب بالفيض لسخائه، وكان عوضا للخنساء عن زوجها الأول، وتوفي بعدها، وكتبت فيه الخنساء مرثية تعبر عن فقدها وحزنها عليه حزنا شديدا، تقول في مطلعها:
الا اختار مرداساً على الناس قاتله
ولو عاده كناته وحلائله
وقلن ألا هل من شعفاء يناله
وقد منع الشفاء من هو قاتله
وقد منع الشفاء من شد قادراً
وقد علقت هند بن عمرو حبائله
فلما رآه البدر أظلم كاسفاً
ارن شوان برقه فمسايله
الخنساء في شعرها:
والخنساء من شاعرات العرب التي شهد لها الشعراء بالشعر و تعد من الطبقة الثانية في الشعراء.
وكان أكثر شعرها في الرثاء بعد موت معاوية وصخر، فقد قتل معاوية في غزو غلى يد دريد وهاشم، ثم ذهب صخر ليثأر لأخيه فقتل قاتل معاوية، لكنه أصيب بجرح فبقي على حاله في الفراش حتى مات، وكان صخر أحب إليها لأنه أخوها من والدها، واستحق صخر ذلك لأمور منها أنه كان موصوفاً بالحلم مشهوراً بالجود معروفاً بالشجاعة وبالعطف، وكان يميل للخنساء اكثر من معاوية، ولما قتلا اخويها كانت نقطة تحولها في الشعر فبكتها ورثيتهما حتى خلافة عمر رضي الله عنه.
وكان النبي يحب شعرها، فقد روي أن عدي بن حاتم الطائي وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم مبايعا على رأس قومه بني طيء فقال: يا رسول الله: إن فينا أشعر الناس وأسخى الناس وأفرس الناس.
فلما سأله الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسميهم قال: فأما أشعر الناس فامرؤ القيس بن حجر، وأما أسخى الناس فحاتم بن سعد الطائي “قصده أباه”، وأما افرس الناس فعمرو بن معدى كرب.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ليس كما قلت يا عدي، أما أشعر الناس فالخنساء بنت عمرو، وأما أسخى الناس فمحمد، وأما أفرس الناس لعلي بن أبي طالب.
رأي الشعراء المخضرمين في الخنساء :
لقد اعترف الشعراء بعلو كعب الخنساء في الشعر فهي شاعرة مخضرمة، وقد قيل لجرير : من أشعر الناس؟
قال: انا لولا هذه الخبيئة “يعني الخنساء” .
وقال بشار : لم تقل امرأة قط شعراً الا تبين الضعف فيه. فقيل له: أو كذلك الخنساء ؟ قال : تلك فوق الرجال.
وكان الأصمعي يقدم ليلى الاخيلية. قال المبرد : كانت الخنساء وليلى بابنتين في اشعارهما متقدمتين لأكثر الفحول، وقلما رأيت امرأة تتقدم في صناعة وان قل ذلك.
وقال أبو زيد : ليلى اكثر تصرفاً واغزر بحراً واقوى لفظاً والخنساء اذهب عموداً في الرثاء .
وكان النابغة الذبياني تضرب له قبة حمراء في سوق عكاظ فيجلس الشعراء العرب على كرسي ويأتيه الشعراء فينشدونه اشعارهم، فيفضل من يرى تفضيله, فانشدته الخنساء في بعض المواسم قصيدتها التي ترثي فيها أخيها صخر فاعجبه شعرها وقال لها : اذهبي فانت اشعر ولولا أن هذا الأعمى انشدني قبلك وكان يقصد الأعشى، لفضلتك على شعراء هذا الموسم فانك اشعر الإنس والجن.
وكان ممن عرض شعره في ذلك الموسم حسان بن ثابت فغضب وقال : انا اشعر منك ومنها .
شعر الخنساء في الرثاء :
ومما أنشدته الخنساء في سوق عكاظ بين يدي النابغة الذبياني وحسان بن ثابت كان مرثيتها التي تقول فيها:
قذى بـعـيـنـك ام بـالـعـيـن عـوار
ام ذرفت ادخلت من اهلها الدار
كأن عيني لذكراه إذا خَطَرَتْ
فيض يسيل على الخدين مدرار
تبكي لصخر هي العبرى وقد ولهت
ودونه من جديد الترب استار
تبكى خناس فما تنفك ما عمرت
لها عليه رنين وهي مفتار
تبكى خناس على صخر وحق لها
اذ رابها الدهر ان الدهر ضرار
لا بد من ميتة في صرفها عبر
والدهر في صرفه حول واطوار
وقالت وهي ترثي أخاها صخر وتصف كرمه وشجاعته، وتعد فضائله تخليدا له:
أعيني جودا ولا تجمدا
ألا تبكيان لصخر الندى
ألا تبكيان الجريء الجميل
الا تبكيان الفتى السيدا
طويل النجاد رفيع العماد
ساد عشيرته أمردا
إذا القوم مدوا بأيديهم
إلى المجد مد إليه يدا
فنال الذي فوق أيديهم
من المجد ثم مضى مصعدا
وقالت في قصيدتها ترد على هند بنت عتبة، وهي ترى انها أعظم العرب مصيبة وهند كانت ترى أنها أعظم العرب مصيبة فأنشدتها تقول:
أبكي أبي عمراً بعين غزيرة
قليل إذا نام الخلي هجودها
وَصِنْوَي لا أنسى معاوية الذي
له من سَراةِ الحَرْتَينِ وُفُودُها
وصخراً ومن ذا مثل صخر إذا غدا
بساحته الأبطال قزم يقودها
فذلك يا هند الرزية فاعلمي
ونيرانُ حَرْبٍ حينَ شُبّ وَقودُها
الكاتبة:مارية الزروالي
المصادر :
ــــــــــــــــ
1ـ ديوان الخنساء”شاعرة الفخر والرثاء” ص 17 .دار العلم و المعرفة، القاهرة.