الإمام مالك.. أعلم علماء المدينة المنورة
ولد الإمام مالك في المدينة المُنورة من نسب ينتهي إلى قبيلة في اليمن.
كانت نشأة الإمام مالك بن أنس في بيت يشتغل بالعلم والفقه، حيث كان جده من كبار التابعين، حفظ القرآن وطلب العلم، وكان له مهابة مستمدة من العلم ووقار يُدهش طلابه، بل والخلفاء والولاة.
الإمام مالك مؤسس المذهب المالكي
الإمام مالك هو مؤسس المذهب المالكي، وقد تأثر مالك ببيئة المدينة، ففي الأصل مذهب مالك إنما هو مذهب أهل المدينة. فكان مالك إمامًا فقيهًا محدثًا، وحجة الأمة، وشيخ الإسلام.
ميلاد ونشأة الإمام مالك:
هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان بن خثيل بن عمرو بن الحارث، وهو ذو أصبح بن عوف بن مالك بن زيد بن شداد بن زرعة، وهو حمير الأصغر الحميري ثم الأصبحي المدني، حليف بن تيم من قريش، وهم حلفاء عثمان أخي طلحة بن عبيد الله أحد العشرة. وهو أحد الأئمة الأربعة ومؤسس المذهب المالكي.(1)
متى ولد الإمام مالك ؟
ولد الإمام مالك على الأصح في سنة ثلاث وتسعين (93-179هـ) في عام موت أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
طلب مالكبن أنس العلم وهو ابن بضعة عشر سنة، وتأهل للفتيا، وجلس للإفادة وله إحدى وعشرون سنة، قصده طلاب العلم من الآفاق في آخر دولة أبي جعفر المنصور وبقي على هذا الخال إلى وفاته.
من تكون أم الإمام مالك؟
أمه هي عالية بنت شريك الأزدية، ولها فضل كبير عليه في توجيهه نحو طلب العلم ومجالسة العلماء، وقد أحسنت تربيته وتوجيهه، يقول مالك بن أنس: “نشأت وأنا غلام فأعجبني الأخذ من المغنين، فقالت أمي: يا بني، إن المغنى إذا كان قبيح الوجه، لم يُلتفت إلى غنائه، فدع الغناء واطلب الفقه، فتركت المغنين وتبعت الفقهاء فبلغ الله بي ما ترى”.(2)
وعن ابن أبي أُويس قال: سمعت خالي مالك بن أنس يقول: “كانت أمي تلبسني الثياب، وتعممني وأنا صبي، وتوجهني إلى ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وتقول: يا بني، إذهب الى مجلس ربيعة، فتعلم من سمته وأدبه قبل أن تتعلم من حديثه وفقهه”.
شيوخ الإمام مالك:
أخذ الإمام مالك العلم عند كبار الأئمة في المدينة، وأولهم ربيعة الرأي، ثم الإمام أبو بكر عبد الله بن يزيد المعروف بابن هُرمز، وهو الذي جاء عن مالك أنه كان يأتي بيته بكرة فما يغادره حتى الليل، وقد أخذ عنه علم الحديث لأكثر من سبع سنين. كما أخذ من التابعي نافع مولى ابن عمر، ومنه اتصلت السلسلة الذهبية التي هي أصح الأسانيد عند أهل الحديث.
ومن شيوخه أيضًا الإمام ابن شهاب الزُّهري، والإمام جعفر الصادق، كما أخذ عن هشام بن عروة، وعن يحيى بن سعيد الأنصاري، وغيرهم من أجلاء العلماء. وبذلك لم يضطر مالك بن أنس للخروج خارج المدينة لطلب العلم، فقد كانت تضج بالعلماء التابعين.
عدد شيوخ الإمام مالك
قيل إن عدد شيوخ الإمام مالك فاق تسعمائة (900) شيخ، منهم ثلاثمائة من التابعين، وستمائة من تابعي التابعين.
في وصف الإمام مالك:
وصف بأنه كان طويلاً شديد البياض، عظيم الهامة، أزرق العينين، عظيم اللحية، أصلع، نقي الثوب، يكثر تغيير اللباس، يتطيب ويحب الطيب والمسك.
عن عيسى بن عمر قال: “ما رأيت قط بياضًا ولا حمرة أحسن من وجه الإمام مالك، ولا أشد بياض ثوب من مالك بن أنس”.
هكذا كان مجلس الإمام مالك
كان مجلس الإمام مالك مجلس وقار وحلم، قال: “وكان رجلاً مهيبًا نبيلاً، ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط”.(3)
وقال الوليد بن مسلم: “كان مالك يلبس البياض، ورأيته والأوزاعي يلبسان السيجان”.
وصف عمامة مالك بن أنس
أما في وصف عمامته، فإنه إذا اعتم جعل منها تحت ذقنه ويسدل طرفها بين كتفيه، وكان للإمام مالك أولوية بلباسه وعناية فائقة به، ويرى أن من مروءة العالم أن يظهر بهيئة حسنة متطيبًا مرتديًا أرقى اللباس وأفخمه، مما يليق بعلمه ومكانته، حتى كان السلاطين يهابونه لعلمه.
مؤلفات الإمام مالك:
ترك الإمام مالك بن أنس خلفه الكثير من الكتب والمؤلفات التي تزخر بالعلم الغزير، ومنها:
أشهر مؤلفات الإمام مالك
كتاب “الموطأ”: وهو أشهر مصنف للإمام مالك ومن أعظمها نفعًا وتأثيرًا، يجمع بين الفقه والحديث.
• “النجوم وحساب مدار الزمان ومنازل القمر”.
• “رسالة في الأقضية”.
• “الرد على القدرية”: رسالته إلى ابن وهب.
• كتاب “المدونة الكبرى”: يقسم هذا الكتاب إلى 16 جزءًا في ثماني مجلدات، ويعدّ من أجلّ الكتب عند فقهاء المالكية، وأصلًا من أصول المذهب المالكي، إذ يُعتمَد عليه في الفتوى والأحكام والقضاء، وقد ضمّن الإمام مالك رحمه الله تعالى العديد من الأسئلة والأجوبة حول المسائل الفقهية.
• “السنن والمواعظ والآداب”: وهو كتاب بعث الإمام مالك رحمه الله تعالى من خلاله رسائل إلى الخليفة العباسي هارون الرشيد ووزيره يحيى بن خالد البرمكي في السنن والمواعظ والآداب.
الإمام مالك وشهادات العلماء فيه:
لم يجلس الإمام مالك بن أنس لتدريس حتى شهد له سبعون شيخًا من أهل العلم. وقد حدث بذلك فيقول: “ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للحديث والفتيا جلس، حتى يشاور فيه أهل الصلاح والفضل والجهة من المسجد، فإن رأوه لذلك أهلاً جلس، وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخًا من أهل العلم، أني موضع لذلك”.(4)
وقد حكى القاضي عياض عن حامد بن أسود بن الأشقر الكرابيسي في قوله: “كان إمام الناس عندنا بعد عمر، زيد بن ثابت، وبعده عبد الله بن عمر”.
ثم حكى في نفس السياق عن علي بن المديني قوله: “وأخذ عن زيد ممن كان يتبع رأيه، أحد وعشرون رجلًا، ثم صار علم هؤلاء إلى ثلاثة: ابن شهاب، وبكير بن عبد الله، وأبي الزناد، وصار علم هؤلاء كلهم إلى مالك بن أنس”.
ونجد أيضًا أن ابن تيمية يشير إلى أن مذهب مالك كان مذهبًا جماعيًا شورى مستندًا على أصول عمرية، وذلك في قوله: “وكان أهل المدينة فيما يعملون، إما أن يكون سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإما أن يرجعوا إلى قضايا عمر بن الخطاب”.
موطأ الإمام مالك
ويقال إن الإمام مالك أخذ جل الموطأ عن ربيعة، وربعية عن سعد بن المسيب، وسعيد بن المسيب عن عمر، وكان عمر يشاور أكابر الصحابة كعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن، وهم أهل الشورى.
وقال عنه الإمام الليث بن سعد، فقيه أهل مصر في زمانه: “علم مالك علم نقي، وعلم مالك أمان لكل من أخذ به”.
وقال عنه الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله: “ومن نحن إلى جوار مالك، فلقد كنا ننتبع آثاره، فإن وجدناه روى وكتب عن شيخ من الشيوخ كتبنا نحن عن هذا الشيخ، وإن وجدنا مالكًا قد أعرض عن شيخ أعرضنا عنه وتركناه”.
محنة الإمام مالك وجلده بالسياط:
تعرض الإمام مالك لمحنة شديدة في إمارة جعفر بن سليمان بن علي العباسي أمير المدينة سنة 147هـ. فقد وشي إليه بأنه يرى أن أيمان البيعة ليست ملزمة إذا كانت بالإكراه بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: “ليس على مستكره طلاق”. فنُهِي عن رواية هذا الحديث فلم ينته، فأمر به فجردت ثيابه وضرب سبعين سوطًا، وجُبذت يده حتى انخلعت من كتفه، وحمل على بعير، وقيل له: ناد على نفسك.
فقال: “ألا من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا مالك بن أنس، أقول: طلاق المكره ليس بشيء”. بلغ جعفر بن سليمان ذلك فقال: “ادركوه، أنزلوه”. وما زال بعدها في رفعة وعلو. قال الذهبي: “هذا ثمرة المحنة المحمودة، أنها ترفع العبد عند المؤمنين، وبكل حال فهي بما كسبت أيدينا”. وعن الفضل بن زياد القطان قال: “سألت أحمد بن حنبل: من ضرب مالك بن أنس؟ قال: ضربه بعض الولاة، لا أدري من هو
“إنما ضربه في طلاق المكره، كان لا يجيزه، فضربه لذلك.”
وفاة الإمام مالك:
توفي الامام مالك رحمه الله صبيحة يوم الرابع عشر من شهر ربيع الأول سنة 179هـ في خلافة هارون الرشيد. وقد عاش ستًا وثمانين سنة، وقيل إنه مرض قبل موته عشرين يومًا، وتشهد عند وفاته وقال: (لله الأمر من قبل ومن بعد). ودفن بالبقيع.
________ الكاتبة: مارية الزروالي _________
المصادر:
1. الإمام شمس الدين الذهبي، الجزء الثامن، سير أعلام النبلاء، ص49. مؤسسة الرسالة.
2. كتاب (التلقين في الفقه المالكي) لعبد الوهاب بن علي البغدادي.
3. الإمام شمس الدين الذهبي، الجزء الثامن، سير أعلام النبلاء، ص65. مؤسسة الرسالة.
4. المدارك 1/140.