الجامع الأموي ..أيقونة دمشق القديمة
الجامع الأموي الكبير، هو رابع أعظم مسجد بعد الحرم المكي، والمسجد الأقصى، والمسجد النبوي، بناه الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي، عام 705 م، فكان آية من الجمال نُقشت على تاريخ دمشق القديمة، ومسجدًا خالدًا كُتب في تاريخ بني أمية وشهد على أمجادهم، ولا زال حاضرًا في العصر الحديث كجامع يدخله المصلون، ووجهة سياحية يقصدها عشاق العمارة الإسلامية القديمة الشاهدة على الأمجاد العربية والفتوحات الإسلامية.
تأسيس الجامع الأموي بدمشق:
كان الجامع الأموي قبل أن يصبح مسجدًا معبدًا للآراميين للإله “حُدُد”، ثم أصبح في العهد الروماني يُنسب للإله “جوبيتر”، وبعدها تحول إلى كنيسة على اسم القديس “يوحنا المعمدان”.
هل كان الجامع الأموي كنيسة ؟
لما دخل المسلمون دمشق من جهتها الشرقية أخذوا نصف المسجد الشرقي وتركوا الكنيسة للنصارى، ولكن النصارى كانوا يزعجون المسلمين بالنواقيس حين تقوم الصلاة، وكذلك يزعج المسلمون النصارى برفع الأذان، فضيق بعضهم على بعض وقرر الوليد بن عبد الملك أن يضم الكنيسة للمسجد ليصبح من أعظم مساجد دمشق.
تفاوض الوليد بن عبد الملك مع النصارى على أخذ الكنيسة، فرفضوا في بداية الأمر ثم وافقوا بعد أن وعدهم أن يبني لهم أربع كنائس بدمشق، فكان له ما أراد، وهدمت الكنيسة وجدران المعبد والمنشآت الرومانية والبيزنطية القديمة، وشُيد الجامع الأموي الكبير مستغرقًا عشر سنوات ليصبح بعظمته التاريخية.
وقيل إنه حين بدأ بهدم الكنيسة “قالوا: إن من يهدم الكنيسة يجن، فأخذ الوليد المعول وقال: أنا أحب أن أجن في سبيل الله، وضرب به وتبعه الناس، ثم دعوا باليهود فأكملوا هدمها.” (1)
وصف الجامع الأموي بدمشق من الداخل:
بنيت عمارة الجامع الأموي الكبير بدمشق بتصميم قبتها الكبيرة مغطاة بالرصاص، وصحن مكشوف حوله ثلاث صفوف من الأعمدة غربًا وشرقًا وشمالًا، ومآذن مرتفعة، وبالمسجد أروقة وبلاطات كلها مصنوعة من المرمر، وغطيت الجدران بالصحن والمبنى بالفسيفساء، وعلقت قناديل مذهبة، حين تنطفئ تفوح منها رائحة المسك بالجامع.
ظل معماره شاهدًا على عظمة الدولة الأموية، حتى أنه قيل عندما دخل أحد القادة من الروم للجامع الأموي ورفع رأسه فرأى قبة الجامع من الداخل وقع مغشيًا عليه، فقال حين أفاق نحن معشر الروم ظننا أن بقاء العرب قليل، فلما رأى عمارة المسجد الكبير علم أن حكم بني أمية سيطول.
وكان بالمسجد أعمدة بالمحراب قصيرة، يقال إنها أعمدة من عرش بلقيس ملكة سبأ المذكورة في القرآن الكريم، وبه نقش للآيات وبعض النقوش بالذهب ومنه مصفحة من الذهب كتبت عليها آية الكرسي، وقد قال ابن ثوبان عنه وعن وصف حسن هذا الجامع قال: “ما ينفعني أن يكون أحد أشد شوقًا إلى الجنة من أهل دمشق لما يرون من حسن مسجدها”. (2)
أما الصحن فيحتوي على ثلاث قباب:
أولها وأكبرها تقوم على ثمانية أعمدة من الرخام، يقال إنها كانت مخزنًا لمال الجامع.
قبة أخرى وسط الصحن أصغر من الأولى وتلك كان بها أنبوب نحاسي لشرب المصلين.
القبة الثالثة تسمى قبة زين العابدين.
أبواب الجامع الأموي بدمشق ومآذنه:
ترتفع في الجامع الأموي ثلاث مآذن: أولها تقع في الحائط الشمالي للمسجد، وشيدها الوليد بن عبد الملك، وتسمى بالمئذنة البيضاء أو مئذنة العروس بمعمار عربي إسلامي تختص به دمشق على شكل مربع وتم تجديدها بعد ما كان يصيب الجامع.
المئذنة الثانية وهي التي يقال إن عيسى عليه السلام سينزل بها، وتقع على الزاوية الشرقية للمسجد وتعرضت أيضًا للحرائق فأعيد ترميمها، وارتفاعها أعلى من ارتفاع المئذنة البيضاء.
أما المئذنة الثالثة فتقع في الجهة الجنوبية، وبنيت في عهد الوليد، لكنها تعرضت للحريق الذي أصاب المسجد عام 1401 فتم إعادة بنائها بشكل غير الذي بنيت عليه في البداية، بمعمار المآذن المصرية.
عدد أبواب المسجد الأموي بدمشق
يضم المسجد أربعة أبواب:
باب قبلي يسمى “باب الزيادة”.
باب شرقي يسمى “باب جيرون”.
باب غربي يسمى “باب البريد”.
باب آخر شمالي يسمى “باب الناطفيين”.
وفي عهد الصراع بين العباسيين والفاطميين احترق المسجد، وأحرقت النار معالمه الجميلة، واحترق بلاطه وأرضيته، وجُدد في عهد السلاجقة بعد أن أصبحت كل محاسنه خرابًا، وتأثر بعدها الجامع ببعض الحرائق وبالزلازل، وتم ترميمه على فترات متباعدة، وبقي بجمالية إلى يومنا هذا مفتوحًا بوجوه المصلين.
ذكر الجامع الأموي في التاريخ الإسلامي :
مما فضل به الجامع الأموي أنه هو الجامع الذي ذكر بدمشق أن نبي الله عيسى سينزل به وذلك في حديث في الصحيحين في حديث مسلم:
عن النواس بن سمعان: قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل، إلى أن قال: “فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعًا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ..”
وقد قال العلماء إنها المئذنة الشرقية للجامع الأموي، حيث سينزل فيها عيسى عليه السلام، وأحاديث كثيرة ذكرت في الشام.
ويقال أيضًا إنه ذكر في قول الله تعالى:
حدثنا أبي عبد الله بن الفرج، أنبأنا القاسم بن عثمان الجوعي: سمعت مروان بن محمد يقول في قول الله تبارك وتعالى قال: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (مسجد دمشق)، قال: التين مسجد دمشق، والزيتون مسجد بيت المقدس. (3)
قبر النبي يحيى في الجامع الأموي:
ومن عظيم ما يحمله هذا المسجد أنه حين بدأ الوليد بن عبد الملك بهدم المسجد والعمال في العمل به وجدوا مغارة تحت الأرض، فأخبروا الوليد فنزل ليلًا بها، فلما نزلوا بها فإذا هم يجدون كنيسة تحت الأرض، وبها صندوق، فلما فتح الصندوق كان قد كتب أنه هنا رأس النبي يحيى بن زكريا، فرده إلى مكانه وجعل عليه أحد الأعمدة.
ويقول في ذلك الحافظ ابن عساكر: نبأنا علي ونبأنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عمر الإمام، نبأنا ابن حبيب، أنبأنا أبو عبد الملك، نبأنا مهدي بن جعفر، أنبأنا الوليد بن سالم، نبأنا زيد بن واقد، قال: رأيت رأس يحيى بن زكريا حيث أرادوا بناء مسجد دمشق أخرج من تحت ركن من أركان القبة، وكانت البشرة والشعر على رأسه لم تتغير. (4)
وربما ذلك يعود تأويله وتفسيره إلى الأحاديث النبوية التي تخبرنا أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، ويوجد له مقام في الجامع الأموي يسمى مقام النبي يحيى، وهو أيضًا من الأشياء التي يقصدها.
من أبرز علماء الجامع الأموي:
لم يكن الجامع الأموي جامعًا فقط، بل كان مدرسة للفقه يضم المدرسة الشافعية والمالكية وغيرهما، ويقصده طلبة العلم، ومسجدًا تقوم فيه الصلاة، وفيه حلقات تحفيظ القرآن الكريم. ودرس فيه كبار العلماء والأئمة، ومنهم الإمام الذهبي، والإمام الشافعي، وابن كثير، وابن تيمية، والإمام النووي، والقرطبي رحمهم الله.
المصادر
ـــــــــــــــ
1. كتاب الجامع الأموي في دمشق، علي الطنطاوي، ص32
2. تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، الجزء 1، ص 423
3. تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، الجزء 1، ص 418
4. تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، الجزء 1، ص 420