حكم زكاة الزيتون
الزكاة في اللغة تنقسم إلى معنيين، أحدهما: النماء، والثاني: الطهارة. فمن الأول قولهم زكى الزرع، ومن الثاني قوله تعالى: (وَنُزَكِّيَهُم بِهَا) [التوبة: 103]. فيكون إخراجها سببًا لنماء المال وطهرًا للنفس والروح من البخل، وهي مطهرة من الذنوب. كما جاء في الصحيح: “ما نقص مال من صدقة”
قول مالك في وجوب زكاة الزيتون:
قال مالك: “وليست الزكاة إلا في العنب، والتمر، والزيتون، والحب الذي ذكرت لك، والقطنية”. وقال في الموطأ: “السُّنة التي لا اختلاف فيها عندنا، والذي سمعت من أهل العلم: أنه ليس في شيء من الفواكه كلها صدقة، كالرمان، والفرسك، والتين، وما أشبه ذلك، وما لم يشبهه، إذا كان من الفواكه”.
فمذهب الإمام مالك رحمه الله في زكاة الثمار مبني على ملاحظة ما يقتات ويدخر منها، بمعنى أن ما لا يقتات ولا يدخر لا تجب فيه الزكاة، والزيتون مما يدخر ويقتات منه، فيرى بوجوبه.
أقوال الشافعية والحنابة والحنفية في وجوب زكاة الزيتون
أما قول الشافعي، له قولان في القديم والجديد، ورواية عند الحنابلة؛ لأنه يمكن ادخار غلته، فأشبه التمر والزبيب. قال الماوردي: “أما الزيتون فله -أي الإمام الشافعي- في إيجاب زكاته قولان:
أحدهما -وهو قوله في القديم- فيه الزكاة. وبه قال مالك، لقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) [الأنعام: 141].
وذهب الشافعي في قوله الجديد، وأحمد في رواية، وهو المذهب عند الشافعية والحنابلة إلى عدم الوجوب؛ لأنه لا يدخر يابسًا، فهو كالخضروات، ولأن الآية ليست صريحة في إيجاب الزكاة، وقد ذكر فيها الرمان، ولا زكاة فيه.
وفي المذهب الحنبلي أن الزيتون لا زكاة فيه؛ لأن العلة عندهم في الزروع والثمار هي أن تكون صالحة للادخار والكيل، والزيتون ليس صالحًا للادخار يابسًا، فهو أشبه بالخضروات.
أما عند الحنفية فتجب زكاة الزيتون استدلالًا بالآية، وهو قول الزهري والأوزاعي ومالك والليث والثوري.ومن الفقهاء المعاصرين الذين قالوا بعدم الوجوب في زكاة الزيتون الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهم الله.
قول الشيخ بن باز في وجوب زكاة الزيتون
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: “التين والزيتون لا تجب فيهما زكاة في أصح قولي العلماء؛ لأنهما من الخضروات والفواكه”.
وسُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: هل في الزيتون أو الزيت زكاة وكذلك الرمان والتين؟
فأجاب: “هذه الأشجار ليس فيها زكاة، وإنما الزكاة في التمر والعنب، أما الزيتون والرمان والبرتقال والتفاح والأُتْرُج، فكلها ليس فيها زكاة، ولكن إذا باعها الإنسان وحصل على ثمن نقد، فإنه إذا بقي عنده إلى تمام الحول وجب عليه الزكاة، وتكون زكاة نقد لا زكاة ثمار”. واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى: (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) [الأنعام].
وجوب زكاة الزيتون:
تجب الزكاة في الحبوب إذا اشتد الحب وصار فريكا، وتجب في الثمار عند بدو صلاحها بحيث تصبح ثمرًا طيبًا يؤكل، ولا يشترط له الحول. لقوله تعالى: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) [الأنعام].
القول الراجح في مسألة زكاة الزيتون
والراجح في مسألة زكاة الزيتون، رغم الخلاف، هو الإجماع بوجوب زكاة الزيت والزيتون، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، أبي حنيفة ومالك والشافعي؛ لأنه يمكن ادخار غلة الزيت، فأشبه بالتمر والزبيب في الحكم، وهو وجوب زكاتهما.
المقدار المخصص لزكاة الزيتون:
وأما على القول بوجوب الزكاة، فيشترط أن يبلغ الزيتون نصابًا، وهو خمسة أوسق، لحديث أبي سعيد في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة”. والوسق: ستون صاعًا، فيكون النصاب ثلاثمائة صاع، وتقدر بـ (612) وقيل: (672) كيلوجرام تقريبًا.
يخرج منها العشر إن كانت الأرض تسقى بغير كلفة أكثر العام، أو نصف العشر إن كانت تسقى بالآبار والسواقي والماكينات. ويستدل بقوله عليه الصلاة والسلام: “فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بنضح أو دالية ففيه نصف العشر”.
هل يجوز إخراج الزكاة من الزيتون أو من الزيت ؟
ويجوز إخراج الزكاة من الزيتون نفسه، كما يجوز إخراجها من الزيت، عند بعض أهل العلم، وحينئذ يمكن إخراج الزكاة من الزيتون قبل عصره.
وتكاليف جمع الزيتون لا تسقط من الزكاة، إلا إذا لم يكن عند المزارع مال واستدان لأجل ذلك.
ثم إذا باع المالك الزيتون بعد بدو صلاحه، فالواجب استثناء مقدار الزكاة من الصفقة، أو تنبيه المشتري على ذلك.
أما إخراج الزكاة الواجبة، فهي تكون للأصناف التي ذكرها الله تعالى في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
_______ الكاتبة: مارية الزروالي _______
المصادر
1. الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، ص 142.
2. المدونة للإمام مالك، ص 141.
3. الموطأ للإمام مالك، كتاب الزكاة، باب ما لا زكاة فيه من الفواكه والقضب والبقول، ص: 232.
4. الحاوي، ص 505-506.
5. “مجموع فتاوى ابن باز” (14/70).
6. ص516 “إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام للإمام تقي الدين ابن دقيق العيد”، دار ابن حزم.