سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من الميلاد إلى البعثة
ولد الرسول صلى الله عليه وسلم نوراً يهتدى به للعالمين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، وسنته طريق ومنهج للمسلمين حتى تقوم الساعة ، وسيرته العطرة مثال يقتدى به وهو أبو القاسم بن محمد بن عبد الله القرشي ويمتد نسبه لإبراهيم عليه السلام، وقد كان يعبد الله قبل نزول الوحي بشريعة إبراهيم، حتى بعث بدين الإسلام فأتم الرسالة وأدى الأمانة وهو الصادق الأمين.
نسب النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
نسبه عليه الصلاة والسلام، هو أبو القاسم، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، من نسل هاشم بن عبد مناف، وصولاً إلى عدنان الذي يرتبط نسبه بإسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
اختاره الله تعالى من أكرم وأشرف البيوت العربية، حيث اجتمعت فيه نقاء النسب ورفعة الأخلاق، والدته هي آمنة بنت وهب، ووالده عبد الله بن عبد المطلب، وقد سماه الله في القرآن :نبياً،أميناً ،شاهداً ، مبشراً نذيراً ، وداعياً الى الله بإذنه وسراجاً منيراً ،ورؤوفاً رحيماً ومذكراً وجعله رحمة ونعمة وهادياً …
ميلاد النبي عليه السلام:
ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، واستنبىء يوم الاثنين ، وهاجر من مكة إلى المدينة يوم الاثنين، ووصل إلى المدينة المنورة في نفس اليوم، كما كان يوم الاثنين شاهداً على رفعه للحجر الأسود، وخُتمت حياته المباركة بوفاته في يوم الاثنين.
“عن جابر وابن عباس رضي الله عنهما انها قالا : ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين الثامن عشر من شهر ربيع أول وفيه بعث وفيه عرج به الى السماء وفيه هاجر وفيه مات عليه السلام” (1)
حمل آمنة بنت وهب بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم
وقد حملت به أمه في أيام التشريق في شعب أبي طالب عند الجمرة الوسطى وولد بمكة بالدار المعروفة بمحمد بن يوسف أخي الحجاج بن يوسف لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان عام الفيل .
وتوفي أبوه عبد الله حين خرج إلى الشام في تجارة وهو عائد وكان عمره خمس وعشرون سنة، وترك آمنة بنت وهب حامل برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي حمل آمنة بنت وهب بالرسول رأت مناما ” أنها أتيت حين حملت برسول الله فقيل لها : إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع إلى الأرض، فقولي : أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد، ثم سميه : محمداً ورأت حين حملت به أنه خرج منها نور رأت به قصور بصرى، من أرض الشام”.(2)
فكان محمد نورا يستضاء به ويهتدى به للإسلام.
وبعد رؤيتها في حملها استبشرت آمنة بقدوم النبي خيرا رغم أنها فقدت والده، فولد يتيما عليه الصلاة والسلام.
فوضعته و قالت في ذالك :”لقد علقت به ,تعني رسول الله فما وجدت له مشقة حتى وضعته ، فلما فصل مني خرج معه نور أضاء له ما بين المشرق الى المغرب ، ثم وقع الى الأرض معتمداً على يديه ، ثم أخذ قبضة من التراب فقبضها ورفع رأسه إلى السماء . وقال بعضهم وقع جاثياً على ركبتيه ، وخرج معه نور أضاءت له قصور الشام وأسواقها حتى رؤيت أعناق الابل ببصرى ، رافعاً رأسه الى السماء .(3)
وبعتث بجاريتها إلى جده عبد المطلب ، وحدتثه عن الرؤيا التي رأت حين حملت به وما أمرت أن تسميه ، فأخذه جده وهو رضيع وأدخله الكعبة وقام يدعو لله ويشكره على ما أعطاه بعد فقد ولده، ثم خرج فأعطاه لأمه وطلب لرسول الله الرضعاء .
أحداث ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم ؟
وفي ولادة النبي كان قد جاء خاتم المرسلين إلى الدنيا ، وكان اليهود ينتظرون فيمن ستأتي النبوة لأنه كان منتظرا عندهم لما ورد عن النبي وعلاماته في التوراة ، وكانت اليهود تخاف أن يأتي النبي من العرب، نبي الأمة الذين يكون خاتم الرسل ، وفي ذالك جاء قول الله تعالى: (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) ورغم ذالك لم يؤمنوا به.
عن حسان ابن ثابت قال :قال : والله إني لغلام يفعة، ابن سبع سنين أو ثمان، أعقل كل ما سمعت، إذ سمعت يهودياً يصرخ بأعلى صوته على أطمة بيثرب ذات غداة : يا معشر يهود ! حتى إذا اجتمعوا إليه، قالوا له : ويلك ما لك؟! قال : طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به.
وفي رواية اخرى قال: قد ذهبت والله النبوة من بني إسرائيل ، فرحتم بها يا معشر قريش، والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق والمغرب (4)
رضاعة النبي صلى الله عليه وسلم:
مرضعة النبي هي حليمة من بني سعد بن بكر يقال لها حليمة ابنة أبي ذؤيب ، وقد خرجت يوم أخذت النبي تلتمس الرضعاء ، فكانت مامن امرأة عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تأبى إرضاعه لأنه يتيم ، فما بقيت إمرأة قدمت معها إلا اخذت رضيعا ، فلما كانوا على وشك الانطلاق والرجوع قررت حليمة أن تأخذ النبي فقد كرهت رجوعها وهي لم تأخذ رضيعا، وقالت عسى الله أن يجعل لهم فيه بركة، ورغم أن حليمة كان معها صبي وكان ما في ثديها لا يغنيه فقد كانت السنة الك سنة قاحلة.
ولما عادت حليمة التمست خيرا من وجود النبي في حجرها ، “قالت : قالت : فلما أخذته، رجعت به إلى رحلي فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن”. فشرب حتى روي، وشرب معه أخوه حتى روي، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك، وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا إنها لحافل، فحلب منها حتى انتهينا رياً وشبعاً، فبتنا بخير ليلة. قالت: ما شرب، وشربت معه يقول صاحبي حين أصبحنا : تعلمي والله يا حليمة، لقد أخذت نسمة مباركة، قالت : فقلت : والله إني لأرجو ذلك” (5)
فلما عادت لمنزلها في بني سعد , وجدت فيه هي وزوجها الحارث بركة في أرضهم وغنمهم وزيادة الخير في معيشتهم، فلما بلغ السنتين عادت به حليمة إلى مكة عند أمه وكانت حريصة أن تعيده معها، فقالت لأم النبي آمنة إنني أخشى عليه وباء مكة ووافقت أن تعيده معها .
حادث شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم:
بعد أن أعادته مرضعته حليمة معها من مكة بشهرين، وقعت حادثة شق صدر النبي ، عندما كان في كنف حليمة السعدية. ففي إحدى المرات، وبينما كان يلعب خلف البيت مع أخيه من الرضاعة، أسرع أخوه ليخبر والدته قائلاً: “ذاك أخي القرشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاه وشقا بطنه”.
توجهت حليمة وزوجها مسرعين نحوه، فوجداه واقفًا ووجهه شاحبًا. عانقاه وسألاه عمّا حدث، فأخبرهما قائلاً: “جاءني رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاني وشقا بطني، فالتمسا شيئًا لا أدري ما هو”.
بعد هذا الحادث، أعادت حليمة النبي إلى أمه آمنة بنت وهب، وأخبرتها بما جرى، لتكون هذه الحادثة إحدى العلامات التي أظهرت اصطفاء الله للنبي صلى الله عليه وسلم وإعداده لحمل الرسالة، فأعادته حليمة إلى أمه وقد خافت ان يصيبه شيء عندها.
كفالة أبي طالب للنبي عليه السلام:
توفيت آمنة أم النبي والنبي بعمر الست سنوات فتركته في كنف جده عبد المطلب، وكان لنبي صلى الله عليه وسلم مكانة في قلب جده وكان عبد المطلب يعلم أن النبي سيكون له شأن عظيم، ولما بلغ ثماني سنين توفي جده، فكفله عمه أبي طالب .
أخلاق النبي عليه السلام وصفاته:
كان النبي صلى الله عليه وسلم على قدر عال من الاخلاق ،وفي جميع جوانب الحياة، فقد جمع الله فيه من الصفات ما جعله أفضل خلق الله. كان أكثر الناس مروءة وأحسنهم خلقًا، وأكرمهم نسبًا، وأطيبهم جوارًا. تميز بحلمه الواسع، وكان أصدق الناس حديثًا وأعظمهم أمانة. كان بعيدًا عن الفحش والأخلاق المذمومة التي تدنس الرجال، بل كان يتمتع بنزاهة وتكرم فريدين. ولقد اشتهر بين قومه بلقب “الأمين”، لما جمعه الله فيه من الفضائل والخصال الحميدة التي جعلته أسوة حسنة لجميع البشرية.
زواجه صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله عنها:
لما بلغ النبي خمسا وعشرين سنة تزوج خديجة بنت خويلد بن أسد ، وكانت تاجرة ذات شرف ومال ونسي ، تستأجر الرجال في مالها، وبلغها من أمانة النبي وصدقه،فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرا مع غلامها ميسرة، فخرج النبي إلى الشام .
فلما عاد من رحلته وجاء بما يضاعف لخديجة ،حدثها الغلم بما رآه من النبي في الرحلة أنه إذا اشتد الحر يرى ملكان يظلانه من الشمس .
فرغبت خديجة بالزواج من النبي ،وعرضت عليه نفسها لما رأت من أمانته وصدق حديثه، وحسن خلقه.
فلما أخبر النبي أعمامه بذالك خرج معه حمزة بن عبد المطلب وآتى خويلد ابن اسد فطلبها للنبي وخطبها وتزوجه، وأنجبت خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم وزينب وأم كلثوم ورقية وفاطمة عليهم السلام.
نزول الوحي وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم
بعد زواج النبي من خديجة كان الرسول ينقطع مرة في السنة إلى غار حراء ، وفي أحد الليالي نزل عليه الوحي
صلى الله عليه وسلم ، فجاء جبريل في صورة رجل فقال والنبي نائم في الغار قال :إقرأ : قلت: ما أقرأ ؟قال فغثني حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني؛ فقال: اقرأ، قال قلت: ما أقرأ؟ قال: فغتني به، حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: أقرأ؟ فقلت : ماذا أقرأ؟ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم .. قال : فقرأتها، ثم انتهى، فانصرف عني، وهببت من نومي، فكأنما كتبت في قلبي كتابا.
قال: فخرجت حتى إذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتاً من السماء يقول: يا محمد أنت رسول الله، وأنا جبريل، قال فرفعت رأسي إلى السماء أنظر، فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء .(6)
فذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى خديجة فقال له خديجة اثبت وكانت ترجو أن يكون نبي الامة،وأخذته الى ورقة بن نوفل ابن عمها ، وكان على دين النصرانية فاخبرته بما أخبرها النبي ، فقال ورقة بن نوفل: لقد جاءه الناموس الأكبر الذي يأتيه موسى ، وإنه لنبي هذه الأمة فليثبت .
فكان أول نزول الوحي عليه ، وتمهيدا لرسالة الله لنبيه ، ليبدأ القرآن بالنزول على النبي الكريم، وتكون بداية طريق وتمهيد لانتشار الإسلام في كل الأرض ، وكان ذالك النور الذي عم الأمة بأكملها.
الكاتبة: مارية الزروالي
المصادر:
1 البداية والنهاية ابن كثير المجلد الأول ص 242,دلر الكتب العلمية بيروت .
2 السيرة النبوية لابن هشام البصري الجزء الأول ،ص293, دار الجيل بيروت.
3 البداية والنهاية ابن كثير المجلد الأول ص 244,دار الكتب العلمية بيروت .
4 البداية والنهاية ابن كثير المجلد 1 ص 248، دار الكتب العلمية بيروت
5 السيرة النبوية لابن هشام البصري الجزء الاول ص 300 دار الجيل بيروت